بقلم آلاء جمعة
حقيقة آلمتني جداً ما إن رأيت آثار الضرب على وجهها، وسألتها: ما بك؟ إلا أنَّها انفجرت بالبكاء، ورأيت في عينيهاكلَّ القهر والحزن …إلى أين أنت ذاهب أيها الرجل الوحشي؟! وما أنت فاعل بهذه الأمانة التي استودعها الله عندك لتكون لك سكناً وعوناً؟!
ألا تفكر بيوم تسأل فيه عن أفعالك؟ أم نسيت أنَّ الدين الإسلامي الذي تعتنقه يرفض العنف بكل أشكاله؛ لأنَّه يهين النفس الإنسانية ويخالف كلَّ العقائد والقوانين الدولية، فهو يدمر الأسرة ويؤدي إلى الاكتئاب.
لقد أصبح الأمر أكثر سوءاً مع انعدام الاستقرار السياسي، واستمرار الحروب في المنطقة، وهذا سبب يعيق في الحصول على إحصائيات رسمية، غير أنَّ التعنيف اللفظي والجسدي والمعنوي ازداد في الفترة الأخيرة؛ بسبب الأوضاع الأمنية السيئة التي دفعت العائلة الى التشتت و تغيير أماكن سكنها، فبدل أن يكون الزوج عوناً لها، جاء ليتفنن ويطبِّق عليها كلَّ أساليب العنف، فعندما يغضب يضربها بأي شيء تقع عليه يده، ويدمي عينيها ويحرمها من كل شيء تحبه، ويسلبها حقها في حرية الرأي والتعبير وخاصة في أمور البيت والأطفال، وإن كانت امرأة عاملة يمنعها من متابعة عملها ويحرمها من زيارة أسرتها والتواصل معهم بعد أن يهينها أمام أبنائها معتقداً أنَّه يثبت رجولته، لكن في الحقيقة هذه ليست إهانة لكرامتها، بل هي إهانة لرجولته الناقصة التي جعلته يقف عاجزاً عن التفكير السليم في حلٍ لمشكلته…
للأسف إنَّها ظاهرة انتشرت بشكل كبير، وهناك دراسة أجرتها إحدى مراكز البحث لحقوق الإنسان في سورية في الربع الأخير لعام 2008 فوجدت 261حالة عنف بينها 27حالة انتحار.
وكل هذا ظاهر لنا بشكل محسوس، لكن ما خفي أعظم، فهناك آثار خفية لا تظهر على المرأة بشكل واضح، لكنَّها تدمي قلبها قبل عينيها، ألا وهي الكلمات البذيئة التي تضم السب، والتوبيخ، والشتم، والتهديد في الزواج من امرأة أخرى، فتجده تارة يوجه إليها كلاما فاحشا يمس الشرف والأخلاق، وتارة ينعتها بأسماء الحيوانات، فكل هذه الكلمات لها تأثير سلبي على المرأة، فهي السبب في تحطيم شخصيتها وتدمير كيانها وفقدانها هويتها أمام أبنائها، وهذا ما يدفع الأبناء أحيانا إلى التطاول عليها؛ لأنَّهم تعودوا على رؤية أمهم تهان أمامهم…
ولم يُكتفَ بهذا، فبعض الرجال يسيئون لزوجاتهم أمام أقربائهم ظناً منهم بأنَّهم يبررون تصرفاتهم اللاأخلاقية تجاه هذا المخلوق الضعيف…
فيا لخسارتكم الكبرى وأنتم غافلون، فالإيمان بعظمته تبرأ منكم، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن ليس بالطعان أو اللعان أو الفاحش أو البذيء”
وهناك عنف من نوع آخر، وهذا النوع يتبعه معظم الرجال، وهو العنف المعنوي، فهو لا يحتوي لا على كلمات ولا على أيادٍ للضرب؛ لأنَّه يقتل دون حروف، ويترجم بنظرات احتقار وازدراء وإهمال للمرأة، فعندما تحدثه يتصرف كأنَّه لا يسمعها وكأنَّها ليس لها وجود إلى أن تنفجر غضباً أو تلتزم الصمت لتموت قهراً، وهذا يعدُّ من أقسى أنواع العنف إضافة إلى جانب العنف اللفظي مقارنة بالأنواع الأخرى؛ لأنَّهما يؤديان إلى الاكتئاب ويقتلا رغبة المرأة بالاستمرار مع شريكها.
لقد بات العنف بكافة أشكاله كابوساً يطارد المرأة أينما ذهبت، وألماً لا يفارقها، ربَّما تختلف الطريقة والوسيلة والصياغة والألفاظ، لكن هدف الرجل في النهاية إهانتها والتقليل من شأنها…
ألا يعلم هذا الرجل أنَّ عنفه يهدد الاستقرار الأسري ويعيق التنمية ويزرع الخوف والتوتر في المنزل ويولد الكره بين الزوجين، ناهيك عن تأثيره على الأطفال بشكل كبير، فيؤدي إلى تراجعهم الدراسي، ويولد لديهم الكثير من المشاكل النفسية…
لا أخفي أنَّ للمرأة دور في استفحال هذه الظاهرة، فهناك الكثير من النساء اللواتي يتعرضن لأقسى أنواع العنف الجسدي واللفظي، لكنَّهم يلتزمون الصمت ولا يتحدثون خشية الفضائح، وبعض النسوة يصمتون؛ لأنَّه ليس لديهم مكان للعيش، فيفضلن العيش في المنزل الزوجي أفضل من التحرر والتفرد وتحمل نظرة المجتمع لهن، فتفضل أن تصارع رجلاً واحداً على مصارعة مجتمع بأكمله.
لكن الإسلام لا يرضى بهذا، فهو دين الأخلاق والإنسانية وحقوق المرأة التي هي جزء لا يتجزأ من حقوق الانسان.
ومهما تراكمت عليك الضغوطات والمحن عليك بالصبر والحلم والامتثال لأوامر الرسول الكريم وجعله قدوة لك في كل تصرفاتك، ومن المهم جداً ضبط اللسان، فقد تتسبب بجروح عميقة وخسارة كبيرة لمن تحب، وهذا ما بينه الحبيب المصطفى في حديثه: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال: ” امسك عليك لسانك”
فمن يغضب لا يفكر بما يقول، ويزل زلات لا حصر لها ولا لأضرارها.
وللأم دور كبير في تربية وتأسيس ابنتها للحياة الزوجية، لكن هذا لا يلغي دور الأب، فله الدور الأكبر في تقديم الحبِّ والحنان لابنته، حتى إذا تعرضت لأي عنف لا تلتزم الصمت، فهناك من يحبها ويقف بجانبها.
رغم أنَّ رجولة رجالنا هي الأساس، لكن لحكمة إلهية جعلها الله في رجال، وحرم منها بعض الرجال.
فالإسلام حفظ كرامة الإنسان ودعا الى الرفق، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: “إنَّ الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف”
أخي القارئ: لا تقف كثيراً عند أخطاء ماضيك، فهذا سيحول حاضرك إلى جحيم، يكفيك وقفة اعتبار تعطيك دفعة جديدة في طريق الحق والصواب والامتثال بأخلاق سيد الخلق، وعوَّد نفسك دائماً ألا تنظر إلى صغر الخطيئة، بل انظر إلى عظمة من عصيت.