د. وائل شيخ أمين |
من أصعب النقاط الإشكالية التي تحتار فيها المدارس الفكرية، خاصة السياسية منها، هي إشكالية التوفيق بين قيمتي: (الحرية الفردية، والمسؤولية المجتمعية)
فكلما زادت حرية الفرد خشينا أن يلحق ضررًا بالمجتمع، وزيادة الضوابط المجتمعية تفرض قيودًا أكثر على الحرية الفردية، والموازنة بين الأمرين صعبة.
ولأن عصرنا طغت فيه النزعة الليبرالية فقد صارت حرية الفرد هي الأصل، وله أن يفعل ما يشاء، ثم بعد ذلك تضع الدولة بعض القوانين التي تحد هذه الحرية حتى لا تطغى على الآخرين.
فما دامت الدولة علمانية في سياساتها وقوانينها وفكرها ولا مكان للدين والإله واليوم الآخر، فإن الوازع الوحيد هو الوازع القانوني.
من أجل هذا تحتاج هذه المجتمعات الكثيرَ من كاميرات المراقبة والرصد، ومن أجل هذا تحدث سرقات هستيرية عندما تنقطع الكهرباء، فمن أمن العقاب أساء الأدب، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما علاقة كل هذا بوباء كورونا؟
الأرقام اليوم واضحة تمامًا، إذا كنت شابًا قويًا لا تعاني من أمراض مزمنة فاحتمال أن يؤذيك ڤيروس كورونا ضعيف جداً حتى لو أصبت به.
ما دام الحال كذلك، فلماذا تعزل نفسك إذاً؟!
لماذا تقيد حريتك؟ لماذا تعطل عملك؟ لماذا تتنازل عمَّا يمتعك؟
لن يكشفك أحد لو حملت المرض ونقلته إلى غيرك، ولن يشكرك أحد لو عزلت نفسك من أجل غيرك.
لا يوجد اليوم إلا الوازع الديني والأخلاقي، هو الوحيد القادر على أن يجعلك تضحي من أجل غيرك.
قد تتطور المشكلة الأخلاقية أكثر بكثير، ماذا لو أنك اكتشفت أنك مصاب، لا سمح الله، بڤيروس كورونا أو مشتبه بإصابتك؟!
هل ستفرض على نفسك حجرًا صحيًا حتى لا تنقل الڤيروس إلى من يقتله أم ستفعل العكس؟!
شاهدنا عدة مقاطع فيديو لمصابين بالڤيروس يتعمدون نشره، يضعون أصابعهم في فمهم، ثم يلوثون بلعابهم الأسطح في الأماكن العامة، كالمصاعد ووسائل النقل والحمامات العامة.
يظن بعضهم أنه لو انتشر الڤيروس أكثر، فإن الحكومات ستبذل جهودًا أكبر وأسرع كي توجد العلاج.
عندما تحارب الحكومات الدين وتجعل فكرة الإيمان بالله فكرةً غبيةً ومثيرةً للسخرية
وتجعل أساس التعامل في المجتمع قائمًا على أساس تعاقدي نفعي بحت، فإنها ستعجز في مثل هذه النوازل أن تطالب أفراد المجتمع أن يقدموا تضحيات بدون مقابل، وأن يلتزموا بضوابط بدون عقوبات.
هنا ينتصر الإيمان بالله، ويدفع الإلحاد الفاتورة.