لا يبدو أن العالم سيشبه نفسه بعد هذه الجائحة، فالفايروس القاتل مرّ على أشياء كثيرة أثناء فتكه بنا، نحن البشر، وربما كان أشد وقعًا على إيماننا بتلك الأشياء، أو إيمان بعضنا بها.
القيم التي أسست العالم الجديد على نحو مادي بحت، مُهتَم بالمنفعة في الدرجة الأولى، والذي نشأت قيمه الإنسانية تبعًا لتلك النظرة المادية يبدو أنها بدأت تترنح أمام كورونا، فالإنسان الذي ارتفعت أسهمه بشكل كبير في هذا العالم تبعًا لنفعيته، انخفضت اليوم تبعًا للسبب ذاته.
البشر الذين تعاطوا مع هذا الأمر بأريحية عندما كانت الأمور تسير بشكل مستقر، يبدو أن نظرتهم اليوم بدأت بالتغير جراء الكارثة، فلا أحد يرغب برؤية نفسه ضحيّة ضمن حسابات مادية تضعه ضمن خسائر الـ 4%، مقابل استمرار عجلة الحياة، مع عجز المنظومة الطبية العالمية عن إنقاذ الجميع.
يدرك الإنسان اليوم أنه ساهم في بناء حضارة قبيحة بنظره، اهتمت بالترفيه والتسلية، والاستهلاك، أكثر من اهتمامها بالمستهلكين، أو حياة البشر الذين شيدوا هذه الحضارة، فالمساحات الشاسعة والأموال الضخمة والجهود الكبيرة التي بذلها هذا العالم ليظهر بشكل خارق، تناسى أن يبني منظومة تحمي محركه الرئيس أثناء الكوارث التي قد تودي به.
كورونا ليس سوى ضربة صغيرة وجهت للعالم، ولو كان أشد فتكًا لاستطاع تدمير كل حضارة الإنسان الزائفة بقدرته السريعة على الانتشار.
رغم كل ذلك يفكر قادة العالم كيف يتجاوزون هذا الفايروس، ويعيدون الحياة لطبيعتها بأسرع وقت، الغالبية في هذا الوقت يحاولون حساب الخسائر، ولا أحد يهتم حقيقةً لنوع هذه الخسائر، هم مجرد أرقام ستمضي في دورة الحياة، هذا ما تقوله النظرية المادية، سيتخلص العالم من معدلات مرتفعة من الإعالة عندما يموت كبار السن أو المرضى الذين سيسهم الفايروس بالقضاء عليهم، سيتم تنشيط الاقتصاد، واستعادة الروح الشابة للعالم الذي يشيخ، وسيكون البشر مجرد مخلوقات غبية في دورة العالم الحالية، سيأخذون أمكنتهم في عجلة الإنتاج الضخمة ويتساقطون تباعًا كأي آلة مهترئة.
ربما استطاع كورونا أن يُظهِر بوضوح صورة العالم الحالي الذي لا يهتم بالإنسان حقيقة، إنما كان يتجمل بذلك فقط، استطاع أن يبرز الصورة التي كانت مختفيةً في أفريقيا وآسيا، ومناطق النكبات والكوارث ليجعلها لوحةً كاملةً تمتد على جميع دول هذه الأرض، ليرى كل الناس كيف ستفتك بهم القيم التي كانوا يدافعون عنها أو يتجاهلون طغيانها عندما لم تصطدم بهم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي