علي سندة |
يبدو أن التطبيق على الأرض أصعب بكثير ممَّا يُكتَب على الورق وربما خلافه، فبعد التوصل إلى اتفاق الخامس من آذار الجاري، بين تركيا وروسيا الذي يقضي بوقف إطلاق النار في إدلب والعمل على أن يكون دائمًا، لو نجح، وتحديد 15 من آذار موعد تسيير أولى الدوريات المشتركة على طريق M4، طفت على السطح رسائل الأطراف من خلال المظاهرات المدنية الرافضة، وتذرع النظام بعرقلة التطبيق وقيامه بهجمات على جبل الزاوية، وعادت روسيا إلى استخدامها شماعة الإرهاب ومطالبتها تركيا بتحييد الإرهابيين وفصلهم عن البقية، واستُهدفت دورية تركية بألغام على طريق محمبل قُتِل فيها اثنين من الجنود، ليتحول طريق M4 إلى كورونا، ربما بتفشيه إن استمر التصعيد، ينهار اتفاق إدلب الأخير وينهار معه اتفاق سوتشي علنًا وتُعلن حربٌ هدفها تركيب علاج ومصل حل يفرضه أحد الأطراف المُنتصِرة علاجًا للبقية.
إن تركيا ترى في الاتفاق الأخير مكسبًا ضمن أفضل الممكن لتخلي الحلفاء عنها في تحصيل الأفضل، إذا ترى أنها أوقفت القصف الروسي وسياسة الأرض المحروقة، وترى إيقاف قضم المناطق من خلال تسيير الدوريات، والسعي لتحصيل منطقة آمنة ضمن خطوط التماس الحالية، والعمل فيما بعد على سلة m5 وتحديد مصير نقاطها المحاصرة والموجودة بموجب اتفاق سوتشي في أيلول 2018، وبالتالي لا رغبة لديها بالتصعيد الحالي، وهذا ينفي عنها تجييشها للمدنيين لأجل التظاهر على طريق M4، بل إنها لم تنفعل لقتل جنديين لها مؤخرًا يوم 19 آذار الجاري واكتفت بالرد على قصف النظام كما فعلت في مرات سابقة، لكنها في الوقت نفسه لم تسحب قواتها وزادت حجمها عبر دخول تعزيزات جديدة، وحسب مصادر أصبح لديها 25 ألف جندي تركي مع عتادهم وهؤلاء ليسوا للنزهة بل لإجبار النظام على العودة إلى خلف حدود سوتشي بالقوة مهما كان الثمن؛ وإعادة أربعة مليون مُهجَّر؛ لأن انتهاء إدلب بالنسبة إليها يعني وصول النظام إلى تهديد كل المناطق الأخرى، وهذا ما لن تسمح به تركيا إن أُقفِلت الحلول الدبلوماسية.
أما روسيا فترى بطريق M4 منتهى مطامعها لارتباطه باللاذقية والموانئ وقاعدة حميميم، وهو خط الوصل بين حلب واللاذقية، ونظرًا لتشبث تركيا به، ووعورة الحرب فيه، ومعارك الكبينة أكبر مثال، رأت مبدئيًا وضع موطئ قدم لها من خلال الاتفاق الذي يقضي بتسيير دوريات مشتركة مع تركيا على الطريق، وإذا نُفِذ الاتفاق كما يجب يعني بالنسبة إليها استمرار قضم المناطق لكن هذه المرة دون قتال، وقطع مدنية إدلب عن وحلب، ومحاصر جبل الزاوية وشحشبو وسهل الغاب والروج، وقطع طريق إمداد الكبينة وإنهاء صمودها الأسطوري وجعلها تقاتل من ثلاث جهات، وبالتالي الهدنة الحالية المُتمثِّلة فعليًا بطريق M4 حلقة من مسلسل الهدن وقضم المناطق وتتمنى روسيا تطبيقه، وبالتالي هذا ينفي عنها ضلوعها بعرقلة تطبيق اتفاق الخامس من آذار رغم أنها تمتلك الذرائع، حيث رأت أن مقتل الجنديين التركيين جاء من فصائل غير خاضعة لتركيا، وإن حدث انهيار الاتفاق ستكون بالضرورة سعيدة؛ لأنها ستعود إلى مسلسل القصف وقضم المناطق.
وبالنظر إلى الأحداث الأخيرة نرى أن إيران هي الخاسر الأكبر في الاتفاق الأخير، فهي تمثل قوة المليشيات على الأرض ولن ترضى بالخروج خالية الوفاض من الطرق الدولية في سورية، ونظام الأسد نفسه غير راضٍ عن اتفاق وقف إطلاق النار، وهذا ما يفسر ضلوع إيران ومن خلفها نظام الأسد بعرقلة تطبيق الاتفاق واستهداف الرتل التركي بمحبل عبر عملائهم في المنطقة الذين وصفتهم روسيا بأنهم لا يخضعون لسيطرة الأتراك، وهذا ما يحتم على روسيا لجم إيران والأسد فيما لو أرادات الاستمرار بتطبيق الاتفاق.
طريق M4 أصبح حاليًا سلة تفاوض لوحده بمعزل عن إم 5، وفي الوقت نفسه أصبح مستنقعًا سيصيب الأطراف كلها بكورونا الحرب دون استثناء نظرًا لأهميته بالنسبة إلى الأطراف، والأيام القادمة ستثبت من سيُحضِّر مصل العلاج وأكسير الحل على طريقته وكما يتمنى.