تميز الأشخاص ذوو الأصول السورية على مر الزمان بقدراتهم العقلية الفائقة، وبإنجازاتهم على الصعيد العلمي والمعرفي فبرز في العصور الماضية الكثير من العلماء والمفكرين والشعراء نذكر منهم العالم ابن النفيس الذي برع في الطب وكان له بحوث وإنجازات كبيرة أصبحت لاحقاً المفتاح للعلوم الحديثة، أما في عصرنا الحالي وفي السنوات الأخيرة فمن منا لم يسمع باسم ستيف جوبز الذي أصبحت شهرته على مدار السنوات الأخيرة كالنار على العلم بسبب التطوير الهائل الذي قدمه في مجال الحواسيب والهواتف الذكية والأجهزة اللوحية حيث يُعد من أشهر العلماء المعاصرين كما أنه أنشأ شركة ( Apple ) المشهورة بصناعة هواتف الآيفون وأجهزة الآيباد، ستيف جوبز هذا من أصول سورية ومن مدينة حمص تحديداً.
بحديثنا عن الأدمغة السورية ظهر لنا مؤخراً العديد من الأشخاص الذين من المتوقع أن تسطع أسماؤهم ويكونوا من المؤثرين في هذا العالم، موجة الهجرة الأخيرة إلى أوروبا كان لها الكثير من الفضل في اكتشاف قدرات السوريين، ولكن حتى بالنسبة للذين بقوا في سوريا ورغم الحرب التي تحيط بهم فإنه قد بدأت تظهر لنا العديد من الكوادر السورية العلمية، التي تهتم بمجالات عدة ومنها غير معروف أو معتاد لدى السكان، سنتناول إحدى تلك الكوادر الموجودة في مقالنا هذا، فريقٌ تميز بأدائه وبطريقة طرحه للفكرة، اسم الفريق هو “كوكب بنش” وهو فريق مكون من عدة أعضاء من مدينة بنش، يتكون أعضاؤه من طلبة ومعلمين جمعهم حب الفضاء والأجرام السماوية لكي يتعاونوا ويُشكلوا هذا الفريق، يتقاسم أعضاء الفريق الأدوار بينهم كلٌ بحسب خبرته السابقة، فمنهم المُصور ومنهم المترجم ومنهم الآنسة والأستاذ ومنهم الراصد والباحث في الظواهر الفلكية، وتتعدد نشاطات الفريق لتشمل الأمور التعليمية والترفيهية من جهة والأمور البحثية والتوعية من جهةٍ أخرى.
الفريق الذي بدأ نشاطه قبل سنة ونصف تقريباً كان له العديد من النشاطات على المستوى المحلي، ففي مجال الرصد والتخييم قام أعضاء الفريق بعشرات الرحلات الرصدية على مدار الفترة الماضية، حيث تكثر رحلاتهم وتكون أفضل في فصل الصيف، يقوم شابان من الفريق بتلك المهمة، يختاران نقطة من ريف مدينتهم تبعد العديد من الكيلومترات عن الأضواء الكهربائية حيث يعلل الشابان ذلك بأن أضواء المدن الكهربائية تؤثر بشكل كبير على رؤية النجوم والمجرات، ويصفون تلك الأضواء ب(التلوث الضوئي) الذي يمنع الناس من التمتع برؤية جمال النجوم الحقيقي، يختار الراصدون الموقع المناسب حيث يلجؤون إلى تل قريب من مدينة بنش يسمى “تل المعمرية” حيث يضعون معداتهم ( خيمة صغيرة – كاميرا بمواصفات متوسطة – وبعض المأكولات التي تساعدهم على السهر ) غالباً تكون رحلاتهم لرصد ظاهرة ما، ولكن من الممكن أيضاً أن يقضوا ليلة بغرض التأمل فقط، من التجارب السابقة لعمليات الرصد الخاصة بكوكب بنش هي رصدهم لحوادث تهاطل الشُهُب حيث يحصل ذلك لمرات قليلة على مدار العام ويكون الفريق على استعداد مسبق لرصد أي حادثة بسبب مطالعته الدائمة لمواقع الفضاء العالمية كوكالة ناسا و space x، في العام الماضي حصلت ظاهرة خسوف القمر وقام الفريق بتوثيقها كاملة وتصويرها وبثها بشكل مباشر من سماء مدينة بنش على صفحة الفريق في مواقع التواصل الاجتماعي حيث إن للفريق موقعاً إلكترونياً وصفحات على مواقع التواصل ينشرون هناك المشاريع التي يقومون بها بأسلوب يتوافق مع الغايات والرؤية التي يسعى الفريق لها.
للتعرف على جو الفريق بشكل أقرب تواصلنا مع الآنسة إيمان التي أعطتنا لمحة عن رأيها بما تقوم به وما السبب الذي دفعها للمشاركة بهذا الفريق، تقول الآنسة إيمان: ( أطمح أن يكون للفريق مكتب خاص به وأن نملك الأدوات اللازمة والمتطورة والتي تعد ضرورية جداً في مجالنا هذا، نعمل على إعطاء دورات منظمة لأطفال مدينة بنش ولو استطعنا التوسع للمناطق المحيطة فسنفعل وأن تكون تلك الدروس تعريفية بالفريق وتتكلم عن الفضاء الشاسع والذي لو تكلمنا عن المعلومات التي فيه لما انتهينا، أريد أيضاً أن نتوسع بعملنا وهواياتنا كأن يعطي مصورو الفريق دروساً في التصوير لغيرهم، أكثر شيء أعجبني وجذبني لأكون عضوة في الفريق هو أن الفكرة التي يقوم عليها الفريق مبتكرة وجديدة بالنسبة للمجتمع الذي نعيش فيه حيث إن الناس في بنش ومحافظة إدلب بشكل عام ليس عندهم الاطلاع الكافي حول علم الفلك، كما أنه ومن ضمن تطلعاتي التي أسعى لها من خلال الفريق هي تنظيم رحلات تخييم مدرسية لأنه وبالرغم من مستوى بعض الطلاب المنخفض غير أني في دروسي السابقة عندما كلمتهم عن الفضاء والكواكب والنظام الشمسي كان عندهم رغبة شديدة لمعرفة المزيد من المعلومات حيث اعتبروها معلومات جديدة لم يكونوا قد سمعوا بها من قبل، والتمست أيضاً تفكرهم في السموات والأرض الذي أبعدهم لوهلة عن حالة البلد الصعبة، كل هذا جعل من طلابي ينتظرون مجيئي بفارغ الصبر ليتجرعوا معلومات وحقائق إضافية، لذلك آمل من فريق كوكب بنش أن يعوض نقص هذه المعلومات وتكثيف جولاتهم على المدارس).
يقوم فريق كوكب بنش بإعداد دروس وإلقائها في مدارس مدينتهم ومعاهدها بشكل دوري، حيث يعرضون بعض الصور التي قاموا بالتقاطها سابقاً من سماء المدينة وتكون الصور مثيرة للإعجاب بشكل كبير بالنسبة للحاضرين، كأن يعرض الفريق صوراً لأجرام سماوية بعيدة وجميلة كمجرة ( أندروميدا ) التي استطاع كادر الفريق الرصدي أن يرصدها في نهاية الصيف الماضي حيث ظهرت المجرة بوضوح في الصور الملتقطة ما يعد أمراً جديداً بالنسبة للوسط الاجتماعي حيث كان الجميع يظن أن رؤية هكذا أمور لا يمكن أن تتم إلا عبر المركبات الفضائية وهذا أمر خاطئ طبعاً حيث يمكن للعامة أن يشاهدوا العديد من الكواكب والمجرات بالعين المجردة ولكن بالطبع يحتاج ذلك فقط إلى طقس مناسب وتوقيت مناسب أيضاً ويقع على عاتق الفريق إخبار الناس بتلك الأمور عبر صفحاته الرسمية.
من ضمن مهمات الفريق أيضاً تصوير كواكب المجموعة الشمسية من سماء مدينتهم حيث تمكنوا وبالفعل من تصوير كواكب ورصد أغلب كواكب المجموعة الشمسية والتي لا يميزها الناس حين رؤيتها في السماء، يظهر الكوكب المرصود كالزهرة أو المشتري مثلاً كنقطة لامعة جداً في السماء يظنها الناس أنها نجم عادي ولكنها بالحقيقة تُمثل كوكب من كواكب المجموعة الشمسية حيث يظهر كل كوكب في مواقيت معينة على مدار السنة وغالباً ما يتم رصدهم من قبل كادر الفريق المختص بهذا المجال.
يعاني فريق كوكب بنش من أزمة حقيقية بالنسبة للمعدات بحكم ما يلزم الفضاء من معدات متطورة جداً فإن الفريق لن يتمكن من إتمام مهامه بالشكل المطلوب أو تحقيق ما يطمح له الفريق من ازدهار في المستقبل، ينقص الفريق معدات مهمة جداً تعد ركائز لأي فريق يعمل بنفس المجال حيث يحتاج الفريق على الأقل إلى ( تلسكوب صغير محمول – وإلى كاميرا بدقة جيدة – عدا عن الحواسيب وأجهزة الإسقاط الضرورية للفريق و قيامه بجولاته ودروسه التعليمية ) ونذكر أيضاً أن أغلب المعدات البسيطة المتوافرة لديهم الآن هي من مصروفهم الخاص كما أنها لا تحقق النتائج الأدنى التي يتطلع لها أعضاء الفريق وبالتالي فإن الفريق يواجه صعوبات عديدة تعيقه في عمله كحالة البلد المضطربة وأيضاً نقص المعدات التي تكلمنا عنها.
سما طالبة بكالوريا أدبي وتمارس التصوير كهواية وتحفظ عدد لا بأس به من الكلمات الإنجليزية حيث استطاعت سما أن تنضم إلى الفريق بجدارة ومساعدتهم بشكل حقيقي، تواصلنا مع الطالبة سما التب صرحت (أعتقد ان موضوع مراقبة الفضاء ودراسته الذي لفت له الأنظار فريق كوكب بنش هو شيء جميل جداً يتحكم بجماله ندرته او انعدامه في محافظة إدلب وإن الذي ميز المشروع تجسيد هذا العلم وما يحتوي من معلومات على أرض الواقع بإرفاق صور ومراقبات من الفضاء بواسطة عدسة من الأرض، وهذا شيء عظيم جداً يشد انتباه الناس للاهتمام بهذا المجال والثقافة التي فيه، أقترح أن نبحث عن خبير بالفضاء يكون مشرفاً على فريقنا، من خلال زيارة الفريق لجامعة إدلب والسؤال عمن هو مختص في هذا المجال مما يساعدنا بشكل كبير على التطوير من قدرات الفريق وقوة معلوماته المنتقاة بعناية، يقوم أعضاء الفريق المختصين لدينا بمراقبة النجوم وإرفاق صور من بنش مما يجعل المحاضرة جذابة أكثر، أقترح أيضاً أن تقوم الآنسة لبيبة بالفريق و كونها عندها إطلاع في مجال الدين بتزويدنا بمعلومات من القرآن والدين حول ما جاء عن الفضاء، وبكوني في الفريق ستقتصر خدماتي على مجال التصوير حيث إنني أصور النشاطات التي يقوم بها الفريق لنصنع منها تقاريراً وأرشيفاً يفيدنا مستقبلاً بإحصاء ما قام به الفريق ولربما يكبر فريقنا ويصبح معروفاً في تأثيره المميز في المجتمع وشكراً) .
تبقينا هذه النماذج على أمل بالتطور والنهضة بهذا البلد وتحثنا على مجابهة اليأس والمضي بأصعب الظروف كيف لا ورغم كل ما يمر به البلد من حرب تهجير وقتل إلا أنه قد خرج من عمق تلك الصعوبات فريقٌ علميٌ بهمة فتية وشابة، وطموح لا حصر له، لا غرابة فهذه سورية وهذا بلد محمد فارس رائد الفضاء السوري الأول.