جاد الغيث |
لو سألنا أي إنسان عن أبرز القيم والمعاني التي يبحث عنها، فلا شك أن ضمن أجوبته سترد المعاني العظيمة التالية: (السعادة، الحب، الصحة، الأمان، الحرية، السلام، الرضى..) مع اختلاف الناس في ترتيب تلك القيم، ولم أذكر المال لأنه معطى مادي قد يساهم في الوصول إلى تلك المعاني لكنه لا يوجدها بمفرده أبدًا.
وبحسب تصنيف العالم (ماسلو) في هرم الاحتياجات البشرية، فإن الحاجة الرئيسة المادية الأولى التي تضمن بقاء الإنسان واستمراره هي (الحاجة الفيزيولوجية) من طعام وشراب وغيره، والحاجة المعنوية الضرورية لحياة إنسانية مستقرة هي (الحاجة للأمان)، فبدونه تتعطل كل تفاصيل الحياة.
ومن هنا يأتي دور (السلام الداخلي) وهو القيمة الأولى في حياة كل إنسان، لأنه مصدر رئيس لباقي الحاجات والقيم، فإذا شعرت بسلام داخلي واطمئنان فأنت تشعر حتمًا بالأمان، ويتبع ذلك شعور رائع بالحرية، وهذا يعني الانسجام مع نفسك ومع محيطك ومع الكون والناس من حولك، وجملة هذه المشاعر الراقية تفتح بوابة الإبداع والعطاء.
لقد استطاعت الشعوب الأوربية اليوم أن تتعاطف مع الشعوب المنكوبة؛ لأن الشعب الأوربي، على سبيل مثال، يعيش حالة سلام مع نفسه ومع الآخر، ولسنا معنيين هنا بمواقف الحكومات لأنها باختصار لا تمثل كل الشعب.
يقول أحد الفلاسفة: “إذا أردت أن تستعبد شخصًا ما، أو أمة ما، فعليك أن تنزع السلام” وهذا ما حدث ويحدث منذ القدم من خلال الصراعات والحروب التي تقتلع السلام من العالم وتثير العدائية نحو الآخر ونهاية المطاف تكون في الاستعباد.
وحتى على السبيل الشخصي نجد أن كل إنسان لديه شعور بالاكتئاب أو الخوف أو القلق، هو مستعبد لمشاعر سلبية دائمة، وكل من يشعر بسلام واطمئنان هو إنسان إيجابي حر.
وفي الواقع كلما ساءت الأوضاع المحيطة بنا، ساءت بالمقابل مشاعرنا وأمزجتنا وحياتنا بالكامل، فكيف يمكن أن نشعر بالسلام الداخلي في هذه الدائرة المغلقة التي تزيد فيها الصراعات والأوجاع والمخاوف؟!
بشكل عام لا يمكننا التحكم بظروفنا السيئة، ويبدو أكثر شيء يمكن التحكم به هو أفكارنا ومشاعرنا التي تؤثر على حياتنا سلبًا أو إيجابًا، ورد في الحديث القدسي: “أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء”
تعتبر جلسات الاسترخاء والتأمل إحدى أهم الطرق التي تجلب الإحساس بالسلام والراحة النفسية في قاموس الطب النفسي، وفي القرآن الكريم كنز محتواه: “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”.
في الدول التي تشهد صراعات وحروب يعيش الناس (حالة الطوارئ) على مدار الساعة لشهور وسنوات متتالية، وهذا يستنزف طاقة أجسامهم التي تفرز هرمونات مؤذية مرتبطة بالتوتر والقلق والخوف، علينا ربما أن نلجأ لطريقة قد تبدو كوميدية للتخفيف من حدة الصراعات في داخلنا، وذلك عبر حوار يومي نجريه مع أجسادنا نطمئن فيه الجهاز العصبي والقلب والدورة الدموية وجهاز المناعة بأن الأمور حولنا ستكون على خير ما يرام، هكذا هي نصيحة أحد المختصين في العلوم النفسية التي يلتزم بها أحد أصدقائي، إذ يتحدث بلغة إيجابية إلى أعضاء جسده كل يوم، ويشكر الله تعالى على سلامة حواسه وصحته بعد تسع سنوات من الحرب.
صديق آخر يعيش حالة سلام مرة كل أسبوع، حيث يغلق جواله ويبتعد عن الناس، ويجلس بجوار شجرة زيتون مباركة يتأمل الطبيعة حوله ويدعو بالخير ..
فهل تعيشون حالة سلام على الأقل مرة كل أسبوع، أم أنكم من أهل السلام دائمًا؟