بقلم: أحمد جعلوك
يصحو صباحاً، وقبل أن يتمكن من فتح عينيه المحملتين بغبار النوم، يمد يده ليتحسس الطاولة ويمسك جواله، ويفتح عيناً واحدة يكاد أن يرى من خلالها زر Wi-Fi ليضغطه، وريثما يستطيع فتح عينيه يكون جواله قد استقبل سيل الرسائل، وتبدأ رحلة الواقع الآخر.
هذا هو حال معظمنا بعد أن أدخلته التكنولوجيا عالم الانترنت، هذا العالم الذي يتيح لكل شخص أن يجد نفسه فيه، ويعطيه مساحة كافية ليبني غرفته الوهمية التي يفعل بها ما يشاء دون أن يؤرقه أحد.
هل يمكن أن نطلق على ذلك صفة الإدمان؟ حتى الآن لم يصنف علماء النفس الانترنت على أنَّه إدمان كباقي الأشياء المدمنة، وإنَّ أول من وضع مصطلح إدمان الإنترنت هي عالمة النفس الأميركية كيمبرلي يونغ، وقامت عام 1999 بتأسيس ” مركز الإدمان على الانترنت “. وهناك العديد من الأسباب وراء هذا الإدمان أبرزها السريّة، فبإمكان أي شخص الحصول على المعلومات دون التعريف عن نفسه، أو أن يكون اسما وهميا من الأساس، أو من دون اسم على الإطلاق، والشيء الآخر هو الراحة التي يوفرها الانترنت سواء كنت في العمل أو في البيت أو كان لباسك رسميا أو غير رسمي، وربَّما من أهم الأسباب الهروب من الواقع، فكل واحد منَّا يعيش في واقع لا يسمح له محيطه بالتعبير عن مكنوناته، فيلجأ إلى العالم الافتراضي ليقوم بصناعة ما يجول بفكره.
ولكن سهولة التعبير والصناعة هذه لها مساوئ كبيرة جداً يمكن أن نلمسها من واقعنا، فالذي يقضي وقتاً طويلاً على الانترنت تراه منعزلاً ومنقطعاً عن أسرته، وإذا تعثر دخوله إلى الانترنت تراه منزعجاً وكأنَّ الدنيا اسودت في عينيه، وعندما يتوفر يعيش بروحه في عالمه الافتراضي ويبقي على جسده لزوجته وأولاده ليرتطموا به.
لا ننكر قط أهمية التكنلوجيا في حياتنا، ولا ننكر أنَّ هناك من الأشخاص من يرتبط عمله ارتباطاً وثيقاً بالإنترنت، لا بل ربَّما يكون كل عمله عليه، ولكن هذا لا يمنع من أن يضع حدوداً كأن يقلل من عدد الساعات التي يقضيها عليه، أو أن يحدد ساعات معينة للعمل وألا يستغرق، كما يجب عدم استخدامه في ظل وجود الأسرة أو على الأقل ترشيد الاستخدام كما أسلفنا.
واقعك الاجتماعي هو الذي يصيغ شخصيتك، وقضاء ساعات طويلة على الانترنت يجعل الأخير من يصيغ شخصيتك، وعندما تعود إلى واقعك الاجتماعي ستصطدم به وتشعر بالغيبة وتفضل العودة إلى عزلتك وغرفتك الوهمية التي بنيتها كما تشاء.
يتبع …