محمد أحمد سندة |
العملات هي عبارة عن ورق مطبوع، والسؤال: لماذا نرى عملات بأسعار مختلفة ومتفاوتة؟ وهل يمكن للدولة أن تغير أو تلعب في قيمة عملتها المحلية؟ كيف يتم تسعير العملات؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عليه من خلال هذا المقال.
إذا ما عدنا إلى القرن الماضي وتحديداً بعد العام 1971 بعد أن تخلت لولايات المتحدة عن إصدار الدولار تحت الغطاء الذهبي وجعلته مُعوماً خاضعاً لمبدأ العرض والطلب، راحت الدول تحذو حذو الولايات المتحدة، فمنها من ربط عملته بالعرض والطلب، فترتفع قيمة العملة مع ارتفاع الطلب عليها وتنخفض مع انخفاض الطلب عليها، وهناك من ربط عملته بشكل مباشر بالدولار، وبالتالي ربط مصير العملة المحلية بقيمة الورق الأخضر الصادر عن الولايات المتحدة، ومنها من ربط عملته بسلة من العملات العالمية.
هي العوامل التي تؤثر على قوة العملة؟
يأتي في المقام الأول قوة الاقتصاد الوطني بحد ذاته، فقيمة العملة هي مرآة لقوة الاقتصاد، ثم تأتي كمية الاحتياطي من النقد الأجنبي، ثم احتياطي الذهب، وأخيراً قيمة الصادرات والواردات.
كل العوامل السابقة مجتمعةً لها دور مشترك قي تحديد قيمة العملة وتسعيرها.
هل بإمكان الدولة التلاعب في سعر عملتها ارتفاعاً أو انخفاضاً؟
الجواب نعم، ولكن ليس بهذه السهولة، فالأمر يصحبه تعقيدات متعلقة بالميزان التجاري وحجم الصادرات والواردات وتنوع الاقتصاد، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها سياسية ومنها متعلقة بالوضع الأمني، لنناقش الموضوع من خلال بعض الأمثلة.
خلال سنوات الثورة السورية فقدت الليرة السورية حوالي عشرة أضعاف قيمتها، ممَّا أثقل كاهل الموازنة السورية ووضعت النظام السوري بموقف حرج جعله عاجزاً عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، فلماذا لم يلجأ إلى رفع قيمة العملة؟ بكل تأكيد هذا مستحيل وغير قابل للتطبيق؛ لأنه لجأ إلى الطباعة وزيادة ضخ العملة في السوق في ظل توقف عجلة الإنتاج ممَّا أدى إلى التضخم أي (بدأت العملة بفقد قيمتها) فلكي تعود الأمور إلى نصابها يجب أن يتدخل النظام السوري ويضخ الدولار بالسوق من أجل زيادة عرضه، وبالتالي يزداد الطلب على الليرة السورية وبالتالي يرتفع سعرها، أو التدخل من خلال احتياطي الذهب وهذا أيضاً غير متوفر.
لنأخذ مثالاً آخر وهو ثاني أقوى اقتصاد في العالم وهو الصين، إذ دائماً ما نسمع أن الولايات المتحدة غير راضية عن سعر الليوان الصيني، وتتهم الصين بأنها تُسعر عملتها بأقل من قيمتها الحقيقية، والتقديرات تقول: إنه مسعر بأقل من قيمته بـ 30%. فهل يُعقل أن تقوم دولة بتخفيض قيمة عملتها أمام باقي العملات؟!
تلجأ الدول الصناعية إلى هذا الأسلوب من أجل تحفيز الصادرات على حساب الاستيراد، فتخفيض قيمة العملة يجذب العملاء ويُحفز الاقتصاد، لكنها لم تكن لتستطيع أن تفعل ذلك بهذه السهولة، فالصين صاحبة أكبر احتياطي للدولار للعالم وهي أكبر مستثمر في أذونات و سندات الدين الأمريكي والتقديرات تقول: إن الصين تستحوذ على ما يقارب 3000 مليار دولار أي 3 ترليون دولار وهذا مبلغ يُعادل الناتج القومي التركي مضروباً بـ 3.33 وبالتالي تستطيع التدخل في سوق العملة وتتلاعب بالسعر بسهولة كبيرة؛ لأنها تمتلك الأدوات اللازمة بعكس الحالة السابقة حالة النظام السوري.
أما أغلى عملة في العالم وهي الدينار الكويتي، من المعلوم أن الاقتصاد الكويتي كما باقي الاقتصادات الخليجية، وهي اقتصادات غير متنوعة وتعتمد بشكل أساسي على النفط وبالتالي هي دول مستوردة لمعظم احتياجاتها من الخارج، فمن مصلحة الكويت الإبقاء على قيمة عملتها مرتفعة من أجل شراء العملات الأجنبية، وبالتالي تُمول مستورداتها.
أخيراً نقطة مهمة، عندما تقوم دولة ما بتخفيض قيمة عملتها بغرض تنشيط الصادرات هي عملياً تقوم برفع سعر المستوردات من مواد خام أو من بضائع لا تنتجها.