إنَّ مشروع أي نهضة في أي مجتمع يركز بفعاليته الرئيسة على الشباب الذي يمثل ذروة سنام أي مجتمع طامح يهدف بعقليته إلى تغيير واقعه المتردي الذي نعيش فيه وخصوصًا شعوبنا العربية التي عانت بشكل أو بآخر من كافة أنواع الجهل والتخلف والتدني الاقتصادي والاجتماعي والفكري والسياسي والعلمي والأخلاقي، خصوصًا في إطار القرن العشرين وما ترتب عليه من نتائج في القرن الواحد والعشرين، حيث إننا لا نكاد نبحث في أي مجال ممَّا ذكر سابقًا إلا ونجد أن الشعوب العربية لها النصيب الأكبر والأوفر من هذا التدني والانحلال.
ومن هنا ارتأى العديد من المفكرين العرب في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين أن أي حركة نهضوية يجب أن تكون مبنية على عالم أفكار واسع قوي ومتنور ومتحضر يسعى بين جنباته إلى الرقي الإنساني، إذ إنه لا بد من جانبين مهمين يعززان هذا البناء.
الجانب الأول هو العمل على تنمية العقل العربي بمختلف أنواع العلوم والمعارف التي نهم الشباب الساعي في إطار التغيير، وعليه فإنه لا بد لنا من استعادة الإرث المعرفي القديم الذي يمثل القاعدة الرئيسة واللبنة الأولى للعلم الحديث، ومن ثم الإحاطة بالعلم الحديث والمتطور الذي فاقنا الغرب فيه لأجيال طويلة، وتكون الإحاطة به عن طريق عدة عوامل رئيسة عليها تبنى الآمال وتعقد الهمم، فالعامل الأول هو التركيز على جانب نقل المعارف والعلوم من الحضارات الأخرى إلى حضارتنا، وذلك عن طريق الترجمة العلمية، والعامل الثاني هو تنشيط جانب الأبحاث العلمية وتغذيتها وتمرين الشباب عليها، وهي غالبا ما تكون مبنية على العامل السابق والإرث الحضاري القديم ومنتجات الحضارة الحديثة، والعامل الثالث وإن كان الأكثر إرهاقًا وتكلفة إلا أنه العامل الأكثر أهمية وهو (البعثات العلمية) في مختلف الجوانب، حيث إن البعثة تتلقى العلوم مباشرة دون أي تأخير، وبذلك يكونون قد التحقوا بركب الحضارة الحالية وتماشوا معها. والعامل الرابع يتمثل باستقدام البعثات العلمية سواء كانت عربية أو أجنبية لأنها تساهم بتوسيع المدارك، وبالتالي إعطاء الأولوية للفكر والعقل ثم القوة والبناء والتغيير، فبناء جسم صحيح سليم فكريًّا سيترتب عليه حركات واعية منظمة قادرة على إحداث ثورات دون دماء، أي ثورات بناء وليس دمار.
كما أن تفعيل دور الأكاديميات والجامعات والمعاهد التقنية له دور بارز في المشروع.
أما الجانب الثاني فيتركز على الجانب المدني والاجتماعي الذي سيتلقى هذا الزخم الضخم من العلوم والتدريب على كيفية استقبال هذه العلوم وكيفية التعامل معها ويكون ذلك بنشر نماذج التقنيات المجتمع، وذلك حسب الخطط التي وضعها علماؤنا العرب في مجال علم الاجتماع كابن خلدون بالإضافة إلى مراكز الأبحاث. ويكون بالتركيز على الجانب المؤسساتي وتنمية فكر بناء المجتمع المؤسساتي المعافى الخالي من الغش والرشاوى.
ويتجلى أيضًا بدراسة التغيرات الاجتماعية، وذلك عن طريق دراسة الحضارات القديمة والحديثة ومراقبة أداء المجتمع في كل حالاته، أي دراسة نماذج الحضارات التي قامت ضمن التاريخ التي درسها مؤرخون ونقاد عرب وأجانب والتي ستؤدي إذا ما طبقت إلى التغيير الجذري للمجتمع. واخيرًا دراسة الجوانب الإدارية والسياسية لقيادة المجتمع بشكل سليم.
ولعل هذه الجوانب التي ذكرت لا بد لها من جوانب أخرى تقوِّمها وتصحح مسارها، وهذه الجوانب هي الجوانب الدينية والأخلاقية التي لا يمكن الاستغناء عنها أبدًا.
كما رأينا نستطيع القول إن تصحيح القاعدة الفكرية يأتي على رأس الأولويات، ومن ثم الجانب العلمي الفكري، وبعد أن يُعزز بالجانب الاجتماعي المدني لا بد له أن يتوج بالجانب الأخلاقي الديني، وبذلك نكون وصلنا إلى قمة المراد وهنا يبدأ التغيير.