محمد أحمد سندة |
دخلت أمريكا الحرب العالمية الثانية في السنة الأخيرة منها ولعبت دوراً كبيراً في حسم الحرب لصالح دول الحلفاء، وبعد الحرب العالمية الثانية خرجت كل الدول المشاركة في الحرب منهكة ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت قوية ومعافاة تمامًا.
في عام 1944 اجتمع ممثلون عن 44 دولة في ولاية (نيوهامبشير) في الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة تسمى (بريتون وودز) من أجل وضع نظام نقدي دولي نتيجة ضعف اقتصادات الدول الخارجة من الحرب العالمية الثانية وعدم قدرة تلك الدول على طبع العملات بقدر كافٍ نتيجة عدم توفر الغطاء الذهبي اللازم لتلك العملات، وهو ما كانت ملتزمة فيه الدول في تلك الفترة قبل إعلان فك ارتباط العملات بالذهب كما سوف نرى لاحقاً. نتج عن هذا الاجتماع اتفاقية عُرفت باتفاقية (بريتون وودز) نسبة إلى المكان الذي انعقد فيه الاجتماع، وهذه الاتفاقية مكَّنت الولايات المتحدة الأمريكية من ضمان هيمنتها على الاقتصاد العالمي وخاصة أنها في تلك الفترة كانت تُنتج تقريباً ما يعادل إنتاج باقي دول العالم مجتمعة. بموجب اتفاقية (بريتون وودز) تم الاتفاق على تثبيت العملات وعدم المضاربة عليها، وتم ربط الدولار بالذهب على أن تُعادل كل 35$ أونصة من الذهب.
بعد فترة ليست بطويلة لاحظ الحلفاء أن الولايات المتحدة تُنفق ببذخ شديد وتتوسع بطريقة غير مقبولة في التسلح ودخول الحروب، كحرب فيتنام، وأصبحت تتوسع في طباعة الدولار بشكل يفوق الغطاء الذهبي، ممَّا أثار الذعر في قلوب الحلفاء وأيقنوا مدى حجم الكارثة والفخ الذي وقعوا فيه، فسارعت الدول إلى مطالبة الولايات المتحدة بالذهب من خلال إرجاع الدولار إليها وتعويضه بالذهب وعلى رأسهم فرنسا بقيادة شارل ديغول. فازداد الطلب على الذهب ممَّا أدى إلى ارتفاع سعره وبدأ الدولار ينخفض. في ذلك الوقت اتفقت الولايات المتحدة مع بريطانيا على إنشاء ما يسمى مجمع الذهب عام 1961 للمحافظة على سعر الدولار أمام الذهب كل 35$ يساوي أونصة واحدة، لكن سرعان ما انهارت الفكرة.
نتيجة زيادة الضغوط على الدولار وعدم قدرة الولايات المتحدة على الالتزام بضمان العملة، خرج الرئيس الأمريكي نيكسون عام 1971 على الهواء مباشرة وأعلن رسمياً عن فك ارتباط الدولار بالذهب وأن الدولار أصبح معوَّمًا في صدمة مُدوية أصابت العالم حكومات وأفراد.
هذا الإعلان كان بمنزلة إعلان رسمي عن سرقة عرق وجهد الشعوب بعد أن أصبح المال الذي بين أيديهم لا يساوي سوى ضمانة البلد المُصدر له وما سيبقيه ذو قيمة هو ثقة الناس به وبالدولة التي تطبعه!
هنا ازدادت متاعب الدولار نتيجة انخفاض الثقة به، وأصبحت الأمور تتجه نحو الأسوأ، وكاد أن يفقد قيمته تماماً لولا الفكرة العبقرية التي أتى بها (هنري كيسنجر) وزير خارجية الولايات المتحدة إلى المملكة العربية السعودية أكبر منتج للنفط عام 1973 والاتفاق معهم على تسعير النفط في الدولار مقابل توفير الحماية بالكامل من أي عدوان خارجي، عدا عن الدعم المقدم من أقوى دولة في العالم، مما دفع العالم لزيادة الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاع الثقة في الدولار مجدداً كأنه أصبح مدعومًا بالذهب مرة أخرى، ولكن هذه المرة ليس المعدن النفيس، إنما الذهب الأسود، وبالتالي أصبحت عملة عالمية مقبولة من جديد بعد أن بدأت دول أوبك تحذو حذو السعودية، ثم انتقلت العدوى إلى سلع أخرى وهكذا….
ويبقى السؤال المطروح هل سوف ينهار الدولار؟ وما هو مصير العالم بعد انهيار الدولار؟ سننتظر دورة الحياة وتدافع القوى مرة أخرى.