بقلم: إسماعيل المطير كأنَّ حالة التشرذم والعشوائية التي تهيمن على الثورة السورية لم تعد اليوم كافية لمن يريد عرقلة مسيرتها واغتيالها بعد ذلك، فإضافة إلى تلك الحال، جاء من يتشدَّق بالدفاع عن الشعب بعد أربع سنوات من القتل والتهجير والتدمير. سوق الثورة المزدهر جعل الباعة والتُّجار -ممَّن يحاولون عرض سلعهم البالية الرخيصة- يدخلون مجال المنافسة على اختطاف الثورة تحت حجة الدفاع عن الشعب السوري، وإذا كنَّا نتندر على دولة صغيرة مثل لبنان بسبب وجود ثلاثة رؤساء لها، رئيس للجمهورية وآخر للحكومة وآخر لمجلس النواب، فقد صار لدينا في سورية ثلاث حكومات لا تملك أية واحدة منها ما يخولها إدارة البلاد، فمن حكومة نظام الأسد التي خرج أكثر من ثلثي البلاد عن سيطرتها ووقع الثلث الباقي تحت الاحتلال الإيراني، إلى الحكومة السورية المؤقتة التي لا تملك من مقومات الحكومة سوى اسمها، وصولا إلى الحكومة الانتقالية أو “هيئة الحكم الانتقالية” التي أعلن عن تشكيلها مؤخرا من قبل من يصفون أنفسهم بالتيار الثالث الذي لا ينتمي إلى النظام ولا إلى المعارضة، هذا إذا تجاهلنا حكومة الإدارة الذاتية للمناطق الواقعة تحت سيطرة الأكراد، ويبدو أنَّ ذلك ما كان ينقصنا لتكتمل مآسي الشعب السوري الذي مازال يكابد الويلات بأنواعها.ليست هذه الحال فريدة من نوعها في بلدنا المسكين، حيث تتعدد السلطات العسكرية والهيئات القضائية والمدنية وحتَّى المؤسسات الخدمية وغيرها، وكل منها تغرد في سرب لا يضم سواها، وينطبق عليها قول الشاعر:”أسماء مملكة في غير موضعها … كالهرِّ يحكي انتفاخا صولة الأسد”.حلب المحررة -وحدها مثلا-تنقسم إلى قسمين: غربي وشرقي، يقع كل منهما تحت نفوذ فصائل معينة، وله محكمة مستقلة بكامل هيكليتها، ولو استطاع كل فصيل إنشاء محكمته الخاصة به لما توانى عن ذلك، فتلك هي الموضة الدارجة اليوم، وبلا شك فإنَّ الأمر ذاته يحدث في باقي أنحاء سورية المحررة. تكمن المشكلة الأساسية في عدم إدراك الثوار لطبيعة المرحلة، فكل المؤشرات تدل على أنَّ الغلبة ستكون للتكتلات الأكبر ذات القيادة الواحدة والهدف الواحد، ولكن المؤسف حقا هو عدم فهم ثوارنا تلك المؤشرات، وبالتالي عدم استغلالها للاستفادة منها، فنحن نرى أكثر محاولات الفصائل التوحد ضمن كيان واحد، لا تتعدى كونها مجرد تحالفات لا أكثر ولا أقل، تنحل عند أي مطب تتعرض له المصالح التي أدَّت إلى وجودها، وهي في الأصل لا ضابط لها، ليرجع كلُّ ديك إلى مزبلته ليصيح وحيدا، حتَّى يصطاده الثعلب المكَّار.من يقرأ التاريخ جيدا سيجد أنَّ سبب خسارتنا للأندلس كان التفرق والتشتت والصراع الداخلي بين الطوائف هناك، وأنَّ سبب نصرنا على الصليبيين وتحرير مدينة القدس كان نتيجة للوحدة واجتماع كلمة المسلمين على ذلك الهدف السامي.وفي الجاهلية كان العرب “ملطشة” للروم والفرس نتيجة لتشرذمهم وتناحرهم، إلى أن اتحدوا في “ذي قار” فسحقوا جيش الفرس فيها.إذا أردنا أن نسير على طريق النصر، فلا بدَّ لنا أن ننبذ وراءنا كل أسباب خلافنا، ونغلب المصلحة العامة على المصالح الشخصية والمناطقية، وإلَّا وقعنا فريسة لقطعان الوحوش التي تكالبت علينا من كل أصقاع الأرض، وأولها الغول الإيراني الذي يسعى إلى إبادتنا، ونحن بالطبع لا نريد أن تصبح بلدنا “أندلس” جديدة.جميع خلافاتنا يمكن تأجيلها إلى أن ننتهي من عدونا الأول وهو نظام الأسد، الذي يعترف به المجتمع الدولي نظاما شرعيًّا بتواطؤ واضح، ويغض الطرف عن جرائمه ومجازره بحق شعبنا.قوتنا في وحدتنا، وفشلنا حتَّى اليوم هو النتيجة الطبيعية لتفرقنا، ولن ننسى قول الله عزَّ وجلَّ: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنَّ الله مع الصابرين) الأنفال ٤٦.آن لنا أن نفهم ذلك … فإلى متى ننتظر؟!!.