أيمن تيسير دلول: كاتب وإعلامي فلسطيني
يوصي الفقيه اللغوي الشاعر الشهير أبو الأسود الدؤلي ابنته حينما كانت مقبلة على حياة الزوجية: إياكِ والغيرة، فإنها مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل، وعليك بالطيب، وأطيب الطيب إسباغ الوضوء، وكوني كما قلت لأمك في بعض الأحايين:
خذي العفو مني تستديمي محبتي… ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في الصدر والأذى… إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب
حين النظر للأقدمين والوصايا التي كانوا يقدمونها لأبنائهم وبناتهم المقبلين على أول عتبات الحياة الزوجية، ومقارنة تلك الأحوال التي كانوا عليها بالأحوال التي أصبحنا نعيشها، نُدرك الفرق، ونعرف جيداً الأسباب التي أدت إلى لجوء آلاف الأسر في مجتمعاتنا العربية إلى الطلاق وما ينتج عنه من ضياع للأبناء وتشتيت للشباب والفتيات، ومشاكل اجتماعية أخرى لا يتسع المجال لذكرها. باختصار، لقد فشلنا اجتماعيا رغم امتلاكنا عناصر التطور والنهضة التي لم يمتلكها أجدادنا ومارسوا حياتهم اعتماداً على نظرية “البركة”.
إن الحالة التي نحن عليها لا يمكن تحميل السبب فيها للرجل أو المرأة أو كليهما، فلربما تجتمع المشاكل المؤدية للطلاق في الاثنين معاً وقد تكون في أحدهما، بل ربما تكون بما يتلقونه من مؤثرات خارجية، ونصائح من الأبوين والأقارب تمثل الأداة الأهم في هدم البيوت وتشتيت الأسر، بعد ضخ كمٍ كبير من البُغض والكراهية بينهما من تلك الأطراف، كخطاب مخالف تماماً عن ذلك الذي نقلته لنا مراجع التاريخ عن أجدادنا وأسلافنا السابقين.
نظرة سريعة على العديد من الدول العربية ستكون كفيلةً بأن يشتعل الرأس مشيباً مما يقرأ أو يسمع عن تفاصيل تتعلق بعلاقاتنا الاجتماعية، ففي السعودية “بلد الحرمين” يتم تسجيل ثماني حالات طلاق على رأس كل ساعة ويُعزي خبراء الاجتماع أهم الأسباب لسهولة الزواج في هذا البلد والغيرة الزائدة من قبل الأزواج.
أما في بلد “أم الدنيا” فعلى رأس كل ساعة يتم تسجيل عشرين حالة طلاق والسبب الأهم الكامن وراء هذه المشكلة هو الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المجتمع المصري، أما في تونس فتقدر أوساط مختلفة أن ذلك المجتمع الذي لم يتجاوز تعداد سكانه حاجز 12 مليون مواطن، فيتم تسجيل أربع حالات طلاق كل ثلاث ساعات وهي نسبة مرتفعة مقارنة بعدد السكان.
حين الاطلاع على الأسباب الكامنة وراء الطلاق يُصاب الإنسان بالدهشة الشديدة، ففي الإمارات باتت مواقع التواصل الاجتماعي الدافع الأول للطلاق، أما في العراق فالطلاق يرتفع بسبب المسلسلات التركية التي تشهد متابعة كبيرة في المجتمعات العربية، وفي الأردن ارتفعت النسب لمستويات غير مسبوقة وبات بإمكان الشخص تطليق زوجته من خلال رسالة sms، أو من خلال أي وسيلة أخرى تقع تحت لافتة “الطلاق الإلكتروني”.
” بالتضاد تتضح الأشياء” وهذه حقيقة، فكيف سنتعرف على واقع الطلاق في مجتمعاتنا ومسبباته:
1- في الماضي كُنا نحذر الأزواج الجدد من الغيرة كونها تهدم البيوت على رؤوس أصحابها، أم اليوم فيتربى أطفالنا على الغيرة في المسلسلات التي تبثها الفضائيات العربية.
2- في الماضي كُنا نطلب من المرأة ألا تجادل زوجها حينما يكون غاضباً، لكن في الأفلام العربية ندفع نسائنا لعدم السكوت “ورد الصاع صاعين”. في مشهد يعزز غياب العفو وتجاوز الأخطاء للطرف الآخر.
3- في الماضي كنا نطلب من النساء أن تتزين لزوجها وألا يقع بصره إلا على كل جميل وألا يجد منها إلا كل ريحٍ طيب، لكن مؤسساتنا النسوية عبأت عقول زوجاتنا فباتت الزينة والعطر للشارع، بينما الزوج فرائحة الثوم والبصل توصل رسائل الزوجة له.
4- في الماضي كُنا نطلب من الرجل أن يُعامل الأنثى كرفيقة درب وأميرة للأسرة والبيت، لكنه أمام فيضان التربية الخاطئة بات يعتبرها في مكان آخر وأصبحت سكرتيرته الشخصية المكان الدافئ له الذي يقضي فيه غالبية ساعات يومه ويُخرج همومه وقصصه الشخصية لها.
5- في الماضي كانت أم الزوجة تلعبُ دوراً مهما في تعزيز مكانة ابنتها داخل بيتها من خلال إدامة توصيتها باحترام زوجها وحفظ أسراره وماله، أما اليوم فأم الزوجة أصبحت صندوق أسرار ابنتها وزوجها.
6- في الماضي كُنا نخبر الزوجة كلما غضبت من أهل زوجها بأن والد زوجها هو والدها وأمه هي والدة زوجته، كي نُزيل أسباب الاحتقان بين الزوجين، لكن اليوم باتت المعادلة التي نبثها في صدور أبنائنا بأن أهل الزوج هم “روسيا” وأهل الزوجة هم “أميركا”.
7- في الماضي كان آباؤنا وسلفنا الصالح يفخرون بزوجاتهم ويخصصون الوقت والمال والجهد الكافي لهن، حتى أننا عرفنا اسم الدلع لأم المؤمنين سيدتنا “عائشة” رضي الله عنها زوجة خير البشرية وعرفنا أن الحبيب محمد “صلى الله عليه وسلم” كان قلبه أكثر ميلاً لها ويناديها باسم “عائش”، أما اليوم فالكثير يشعر بالحرج من زوجته وكأنها رجسٌ من عمل الشيطان، ويتعامل معها كما يتعامل بعض الأقوام الجهلة الذين لا تزال أفكارهم تعيش في حقبة العصور الوسطى.
إن الواقع الذي نعيشه بكل التطور الذي فيه كان يجب أن يرتقي بأخلاقنا وتصرفاتنا، لنحقق نهضة في أحوالنا وعلاقاتنا الاجتماعية، كي نصبح في مراتب متطورة مقارنة بالنهضة التي حققناها في الجوانب المادية من حياتنا، أما إن كنا سنبقى على هذه الوتيرة من الاتجاه إلى التفتت والتفكك الاجتماعي فهذا يعني بأن تلك الحالة من النهضة التي نتغنى بها مجرد “رخام” من الخارج و “سخام” من الداخل.
قال أحدهم “كوني له أنثى يكن لكِ رجلاً”، وهو أمرٌ سيعود علينا بسعادة لا يعلم بها إلا الله تبارك وتعالى إن قمنا به، لكن هل ترانا سنفتح عيوننا ذات يوم لنتعرف على عوراتنا ونواريها من أمام أعين الناس؟ أم أننا ألفنا الحالة التي نعيش عليها ونسعى للتواصل على شاكلتها؟.