عند كل معركة يُخيل إلينا أننا لم نعد نملك من الأمر شيئًا، فالسيناريوهات مرسومة بين أصحاب المصلحة الكبار، وما يجري على الأرض هو تنفيذ لها، يتغلغل اليأس إلى النفوس بمجرد اجتياح المنطقة الأولى، وتعظُم في أعيننا المصائب حتى كأننا لا نقدر على شيء.
ربما نحن على حق مع التجربة المتكررة التي بدأت في حلب وبعدها انتقلت إلى العديد من المدن المهجّرة، وربما كنّا نتعامل مع كل التجارب بالطريقة نفسها، فنصل إلى النتائج نفسها، وربما هي مرسومة بالفعل بشكل يصعب علينا تغييرها أو إحداث فرق، ولكن هل تكون كالقيامة …
في لحظة القيامة يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا” ماذا تصنع الفسيلة في ذلك الوقت، القيامة أمر حتمي جداً لن يتغير أو ينتظر لحظة واحدة، فلماذا أغرس الفسيلة، من العبث أن تقوم القيامة ونحن مشغولون بغرس لن نستطيع ترطيب ترابه بالماء …
المجاز واضح هنا، وتقديس قيمة العمل حتى اللحظة الأخيرة أيضاً واضحة، فالقيامة لن تقوم على قومٍ يغرسون الفسائل ويهتمون بعملهم ويخلصون له إلى هذه الدرجة، إنما ستقوم على آخرين استسلموا للدنيا وللموت والخراب حتى يأتي عليهم جميعاً، وكذلك الهزائم لن تحدث لمن يعملون بجد في سبيل النصر، كلٌ في ميدانه لا يشغله عنه شيء، يرى عظم الثغر الذي يقف عنده فينافح عنه، ويحرص على ألا يؤتى الوطن من قبله، ولا يلتف الأعداء على إخوانه إذا أدار ظهره أو ترك مكانه.
عندما نحتشد جميعاً في جبهة واحدة سنملأها بالفوضى والمزاودة، سيصيبنا يأسها إن كسرت، ويسهل القضاء علينا في ضيقها، ولكن عندما نتوازع الأدوار والمهمات ويمسك كلٌّ منّا فسيلته حتى الرمق الأخير، ويأخذ موقعه لا يبرحه حتى يأتي أمر الله أو يهلك دونه، سنصل وسننتصر، وسنشكل دعماً كبيراً للجبهات المنكسرة، فالأمة لا تنكسر دفعة واحدة إلا إذا استهلكت نفسها في جبهة واحدة.
“لا تبرحوا أماكنكم حتى وإن رأيتمونا تتخطفنا الطير … أو هزمنا القوم وأوطاناهم”
المدير العام | أحمد وديع العبسي