قالها نزار قباني يوماً وأحبها الحلبيون: “كل الدروب لدى الأوروبيين توصل إلى روما، وكل دروب العرب توصل إلى الشعر، وكل دروب الحبّ توصل إلى حلب” ومن يستطيع أن يحاصر الحب في هذه المدينة، صحيح أن الجوع يأكل أطرافها وأن الموت يخيم فوق سمائها، وأن جميع مجرمي العالم قد مارسوا دناءتهم على أرضها، إلا أنها “حلب” مدينة ما زالت تخبئ للعشق أمكنة كثيرة، وللحرية من ترابها ألف باب وباب، وعلى أسوارها رجال كلُّ الذي أدركوه من العشق هو كيف بإمكانهم أن يصمدوا حتى يدفنوا في جوفها الدافئ والمليء بالذكريات .
هذه الأرض التي ما زالت تلد الأبطال كليمونة نزار، وتستنهضهم كنسر أبي ريشة، وتثبتهم كأشجار درويش الواقفة حتى في موتها الأخير .. لا تعير للحصار أدنى اهتمام .. يكفيها من كل ما جادت به الدنيا ما تسد به الرمق، وما يعينها على الموت بكرامة . إلا أنها واثقة بنصرها كما يثق الليل بفجره، وكما تثق الشمس بضيائها .
حلب .. مدينة تحنو على نفسها، تحضن أبناءها، يواسي فيها الغني فقيرها، وتقتسم خبزها وحبها وعذابها بكل الرضى والابتسامة.
كلما تجولتَ بين أهلها تراهم يتحدثون عن الانتصارات القادمة، وكأنها أمرٌّ لا بدّ منه، لا يعرف اليأس طريقاً إلى قلوبهم، ولا تعنيهم مصاعب الحياة، فالحرية التي آمنوا بها، تستحق في نظرهم أن يُبذل في سبيلها ما تبقى من الأرواح والدماء، لم تعد حياة الذل تلائمهم، نفضوا عنهم عار خمسين سنة من الخنوع إلى غير رجعة، فإما حياة تسر الصديق، وإما ممات يغيظ العدا
حلب التي تعرفونها لا يمكن أن تحاصر، وإن كان قدرها الحصار فما هو إلا امتحان يصقل العزائم ويشحذ النفوس لمزيد من الجولات القادمة، فهي القصد وهي السبيل كلما ضاقت الحياة من حولها، فكيف للسبيل أن ينقطع، وكيف للمتنبي أن تجف حروفه من على صفحات حلب .
وإذا كانت النفوس كباراً .. تعبت في مرادها الأجسام
ومن أعظم منك يا نصف مدينة على كتف الشمس، ستتعبين من بعدك، وما أحلى ذلك التعب في سبيلك.
المدير العام / أحمد وديع العبسي