يصور (آرنيست همنجواي) في روايته (العجوز والبحر) التي فازت بجائزة نوبل للآداب 1954، كيف يمكن أن يخسر المرء حربه ويضيّع نصره إذا لم يُدخل في حساباته أثناء الحرب ما الذي يتبقى للمعارك القادمة، لم يتبقَ للعجوز في نهاية المطاف سوى هيكل السمكة الكبيرة التي فرح باصطيادها بادئ الأمر، كومة من العظام المتكسرة لا غير، وخبر بالنصر استطاع الصيادون ملاحظته من خلال هيكل السمكة الضخم، لقد أثبت قدرته في المواجهة، لكنه خسر السمكة وخسر معها بقية قوته، لن يقدر العجوز على الصيد مرة أخرى، وسيستسلم للضعف في كوخه بانتظار القدر أو المساعدة.
تخوض اليوم العديد من القوى في سورية هذه الحروب، ولا تمتلك في الأصل مقومات القوة التي تمكنها من الاستمرار، إنها كالعجوز الذي يضحي بكل ما لديه من أجل مكسب في عرض البحر يعطيه شعوراً كبيراً بالقدرة والتفوق، دون أن يلقي بالاً لطريق عودته المليء بالقروش التي تترصده من كل جانب، وهو بدون سلاح.
يبدو المشهد في الشمال وإدلب وحتى في مناطق سيطرة النظام قريباً جداً من الواقع التي أرادت الرواية تصويره، فجميع الأطراف خسرت وما زالت تصر على أن تخسر موارد قوتها لصالح الأطراف الخارجية التي قضمت واقتسمت السمكة السورية حتى قبل أن يتم صيدها، بينما دفع الثمن أبناء البلد من دمائهم ومستقبلهم دون أن يدركوا حجم الخسارة التي تحيط بهم وهم يحاولون صنع انتصارات آنية وجوفاء وغير قادرة على الاستمرار لعدم وجود قوة تحميها.
لن يكون النصر حليفاً لأحد إذا لم يكن قادراً على حماية نصره في المستقبل، وكل ما سنفعله هو دفع فاتورة الحروب القادمة بعد أن أفنينا قوتنا بأنفسنا بدلاً من توحيدها وجعلها طرفاً أساسياً في الصراع، القوة التي استطاعت في البداية أن تحقق نصرها الذي تاقت إليه مدّة أربعين سنة، وأضاعته في طريقها لاستكماله.
سيخرج كل الذين يظنون أنهم يمهدون الساحة لبقائهم وحدهم، ولن يستطيعوا تحقيق أي مكاسب يتوقعونها، وسيحصلون على خيبة كبيرة تليق بأحلامهم وأوهامهم، ولن تسعفهم قوتهم على النهوض مرة أخرى.
المدير العام | أحمد وديع العبسي