عبد الكريم الثلجي |
تعيش منطقة ريف حلب الجنوبي عزلة في المجال الطبي، إذ تفتقد هذه المنطقة إلى وجود مشفى يتم علاج المرضى فيه، فيضطر المريض للسفر مسافة طويلة إلى أرياف إدلب أو حلب لتلقي العلاج متكبدًا عناء السفر وأجور التنقل.
يُعدُّ ريف حلب الجنوبي ذا مساحة جغرافية كبيرة قياسًا بأرياف حلب الأخرى، لكنه وبعد معارك الحص وأبو ظهور (شرق السكة) لم يبقَ منه إلا قرابة ثلاثين قرية تقع بين السكة وأوتوستراد حلب_دمشق الدولي، تبدأ من قرية الزربة شمالاً مروراً ببلدة العيس وتنتهي بحدود بلدة جزرايا جنوباً.
التهميش في المجال الطبي في ريف حلب الجنوبي ليس وليد اليوم، إنما موجود من قِبل حكومة النظام قَبل انطلاق الثورة، فسابقًا كان يوجد مشفيان خاصان في بلدتي العيس والحاضر وقد خرجا عن الخدمة نتيجة العمليات العسكرية في أواخر عام 2015 واستمر هذا التهميش في زمن الثورة حيث لا مشافي ولا مشاريع طبية خدمية، وحالياً لا مشافي ولا مراكز رعاية أولية.
كانت وجهة الناس قبل عام 2015 إلى بلدة (العيس) التي كان فيها مجمعاً طبياً قبل خروجه عن الخدمة.
التقينا الدكتور (رعد المحمد) معاون مدير المكتب الطبي جنوب حلب الذي حدثنا عن الواقع الطبي بقوله: “إن الخدمات الطبية في ريف حلب الجنوبي تكاد تكون شبه معدومة ما عدا بعض الجهود الفردية من الكوادر الموجودة في الريف التي تحاول تقديم جزء بسيط من المساعدة لا تفي بالغرض، حيث لا يوجد أي مشفى يقدم الخدمات الطبية للناس في المنطقة، فيضطر المريض للسفر إلى مدينة سراقب أو منطقة باب الهوى في ريف إدلب لتلقي العلاج.”
وقد عبر المريض (حسان الحسين أبو احمد) وهو من أبناء بلدة (العيس) عن معاناته جراء تعرضه لإصابة في معارك جنوب حلب ٢٠١٥، حيث ما زالت قدمه لم تشفَ تماماً وقام بإجراء عدة عمليات لها كان آخرها عملية في أحد مشافي مدينة سراقب بريف إدلب، وهو يضطر للسفر إلى مشافي بعيدة عن منطقته من أجل المراجعة وتلقى العلاج.
وتابع الدكتور أبو أحمد قائلاً: “بعد خروج مستوصف جزرايا وزمار بسبب القصف، بقي مستوصف خانطومان والعيس والزربة والبوابية وتل حديا وكوسنيا، وبعضها مدعوم والبعض الآخر يعمل بشكل تطوعي، وهذه المستوصفات لا تسد الحاجة في تقديم الخدمات الصحية للسكان، وهناك نقص حاد بالأدوية والمستهلكات الطبية وغياب منظومة الإسعاف عن المنطقة.”
الجدير بالذكر أن مديرية صحة حلب الحرة فعَّلت مركزين صحيين في بلدة العيس وقرية كوسنيا في العام الفائت، وذلك بعد عودة السكان المحليين وإنشاء نقطة مراقبة تركية في تلة العيس، وقد أخبرنا مدير مركز العيس الصحي الأستاذ (محمد العيسى) بأنهم “من خلال تضافر الجهود بين الكوادر الطبية والمجلس المحلي في البلدة والمكتب الطبي في ريف حلب الجنوبي تمكنوا من تفعيل المركز الذي يساهم بتقديم الخدمات الطبية للمواطنين بعد إغلاقه لمدة ثلاث سنوات بسبب النزوح والعمليات العسكرية في العيس ومحيطها، حيث يوجد فيه كوادر طبية جيدة لكنه يفتقر إلى المعدات الطبية والأدوية والمستهلكات، ومديرية صحة حلب فرزت سيارة إسعاف للمنطقة بالقرب من المركز، ونحن في حالة توسعة للمركز من خلال زيادة الأقسام فيه لنتمكن من سدّ حاجة التطبيب للناس قدر الإمكان لإغنائهم عن السفر خارج المنطقة لتلقي العلاج.” وعبر أيضاً عن الحاجة الماسة لوجود مشفى يخدم الناس طبياً.
وأشار الدكتور “رعد المحمد” إلى انتشار كبير للأمراض نتيجة المياه الملوثة، حيث لا يوجد تعقيم لمياه الشرب، بالإضافة إلى الأعطال الكبيرة في الصرف الصحي وخصوصاً في بلدة جزرايا التي تشكل تهديداً صحياً للناس في تلك المنطقة.
الجهود الفردية التي يبذلها الأطباء في ريف حلب الجنوبي حاليا سيدة الموقف في تقديم الخدمات الطبية في ظل غياب المشافي، ولكن هناك وعود من المنظمات الإنسانية ببناء مشفى في المنطقة بالإضافة إلى افتتاح معهد الفارابي الصحي في بلدة (أباد) التابع لجامعة حلب الحرة لكن دون وجود رواتب للكوادر التعليمية والإدارية.