بطريقة لا ندركها تستمر الثورات بالاشتعال، لا خوف يأكل أصوات الناس، ولا رغيف خبز يمزق أحشاءهم، كأن الحرية هي شيء اشتعل في قلوبنا على حين غرة، فاستحكم فيها كالعشق ولم نعد نستطيع بعدها.
تختلف السياقات الاجتماعية في كل ثورة وتتشابه المظاهر والهتافات والأيقونات والمطالب، فالحكام هم سبب كل بلاء على هذه الأرض ورحيلهم هو غاية الثوار الذين ملؤوا الميادين والساحات وأضرموا النار في أجساد أوطانهم.
لا أحد يهتم بالتفكير بالخطوة اللاحقة، لا يهم، كل الفوضى التي يخوِّف بها الحكام شعوبهم لن تكون أشد قسوة من فوضى وجودهم، تلك الفوضى التي ملأت الأرواح فصار الناس يهيمون على وجوههم لا يشغلهم سوى التقاط فتات معيشتهم كالكلاب الجائعة.
لا خسارة في تحطيم أنظمة مواعيد المقاصل والمشانق والسياط، إن كل فوضى في مواجهة الموت والقهر هي نصر كبير مهما بلغت من الخسائر، وإن أوطاناً لن تستقيم على إرادة شعوبها، لهي حقيقة بالخراب فوق رؤوس الطغاة والمستبدين، فإن لم نستطع أن نقيم دنيانا كما نشاء، فلعلنا نستطيع أن نهدم على الحكام دنياهم، فنحن من يحق له أن يرفع شعار “البلد أو لا أحد” والبلد هو هذه الجماهير التي تحمله على ظهرها، لا حكامها الذين يجلسون فوقها.
لن تتراجع الشعوب عن استعادة حريتها مهما بالغت الأنظمة بأدوات الترهيب والتنكيل، فلم يعد هناك متسع من البدائل التي تستحق أن تعاش، وهذه الثورات ستمتد بعيداً، أبعد من حدود إقليمها العربي، ومن أجل ذلك هي تُحارب من أبعاد أخرى تقع وراء هذا الإقليم، وإن شعوباً لم تثر إلى الآن لهي واقفة على ناصية حتفها، فالصيف يحرق كل تلك البراعم الضعيفة التي لم تزهر في الربيع.
المدير العام | أحمد وديع العبسي