بشير جمال الدين
لم يعد أمراً غريباً تلويث جدران المدن بعبارات سوداء تحمل في تلافيفها غموضاً يكتنف فهمها التباس وريبة.
مؤخراً قامت إحدى المنظمات بإنشاء دوار في مدينة إدلب وذلك ضمن سلسلة أعمال ترميمية استصلاحية لشبكة الطرقات، وما انتهى حتى جاء ملثم ووضع لوحة كتب عليها عبارة “دوار شيخ الإسلام ابن تيمية” ؛ في خطوة إن دلت فإنما تدل على سطحية العقلية الدينية المحركة لشخوصٍ كهؤلاء.
الأسبوع الماضي خرجت مظاهرة رجالها ملثمون يتضح من لباسهم أن معظمهم من مقاتلي الجبهات، خرجت المظاهرة في ساحة الساعة وطالبت بتحكيم الشريعة، لم أعرف من هو المُطالَب بالضبط بتطبيقها ولم أدرِ إن كان صوتهم سيصل إلى مُناداهم إذ يطلبونه في المكان الخاطئ، أيضاً ما زلت أجهل نوع الشريعة التي يريدون تطبيقها وما هو شكل الدولة الإسلامية التي يبغون قيامها. كل ما أدريه أنهم مجدداً كتبوا عبارات على جدران الساعة توضح حجم أميتهم وكثافة جهلهم وغباءهم المركب. هل تقوم الدولة الإسلامية بالإساءة للمرافق العامة التي دُفع من أموال المسلمين لاستصلاحها !؟ أم هل تقوم الدولة الإسلامية بمظاهرة في سوق يتجول فيه المدنيون لاقتناء ما يعينهم على حياتهم، وبتناسي الفصائل التي تعطل الكهرباء والخدمات عن المسلمين فقط لاجتراح اختلاف أضحى خلافاً في تحديد الرسوم الشهرية للكهرباء !؟؟ .
كل ما أدريه أن المدنيين الذين التفوا حول الساعة وحاولوا عبثاً منع المتظاهرين من تلويث الجدران كان لسان حالهم يقول: إننا لا نريد قيام دولة الإسلام إذا كان طغمة من الجهال هم قادتها، ولا نريد قيام دولة الإسلام إذا كان مستقبل التعليم فيها بيد أميين لا يجيدون القراءة والكتابة بالقلم فضلاً عن أن يكتبوا تاريخ الأمة بأفعالهم وسلوكهم، ولا نريد قيام دولة الإسلام بفكر سطحي لا يبني حضارة ولا يؤسس مجداً ولا ينشر ديناً.
الملف للانتباه عبارة عن كلمتين كتبها أحدهم وهي “ثأراً للإخوة” ولكن لم تخل كل كلمة منها من خطأين لم ينبهه إليهما أحد من المتظاهرين!
هل حقاً على المقاتل أن يترك جبهات القتال مخلفاً وراءه تراباً تسربل بدماء الشهداء ويأتي إلى ساحة السوق ليكتب عبارات الثأر!؟
بعد سنوات وسنوات من الثورة وآلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين لم نتعلم بعد كيف نلملم جراحنا؟ كيف نثأر لشهدائنا؟ كيف نحقق نصراً؟ بل كيف ننجز وعداً؟
لا يزال التعلق بالقشور يشغل حيزاً من تفكيرنا ويبدو أنه باقٍ يتمدد.
لا زالت الآمال المجنحة تحلق في سماء تفكيرنا ويبدو أنها لن تحطَّ على صخرة الواقع.
لا تزال أهدافنا محض أحلام من المحتمل كثيراً أن نستيقظ يوماً لندرك أننا استيقظنا متأخرين جداً ومن المحتمل أكثر أن لا نستيقظ.
ما نحتاجه ليس مراجعة فكرية ولا تجديداً للخطاب الديني ولا إعادة نظر في أصول الفقه كما يدَّعون.
ما نحتاجه إعمال للعقل والنظر بعقلانية لواقع الحال والمآل وتقدير لفقه الأولويات وكل ما وراء ذلك تحصيلُ أمرٍ حاصل.