أثارت تصريحات راشد الغنوشي الأمين العام لحزب النهضة التونسي بخصوص حزب الله، وقبلها تصريحات عديدة لحماس وحركة الجهاد الإسلامي حفيظة العديد من السوريين، وكنتُ ممَّن سارع إلى إبداء الغضب من هذه التصريحات، ووصفتُ الموقف الأخير للغنوشي بغير المبرر والمهين، ووصلت عبارات بعض السوريين إلى درجة التخوين.
في مراجعة للأحداث عبر خمس سنوات من الثورة، وقبلها عبر حضارة تمدد أكثر من ألف وأربعمئة عام، وجدت العديد من المواقف المشابهة في التعامل مع الأعداء، وصلتْ أحياناً إلى دفع جزية، أمّا في الثورة فقد سارعنا إلى تخوين أصحاب العديد من المبادرات التي كان هدفها التوصل إلى حلٍّ سلميٍ في حينها، ومازالت مبادرات جنيف التي يجمع عليها طيف واسع من السوريين اليوم عاجزة عن التوصل إلى الحدود الدنيا لهذه المبادرات التي اتُّهم أصحابها بالخيانة.
لست في معرضِ سردٍ لما سبق، وإنَّما أحاول الوصول إلى فهم أشمل لمختلف الظروف والمواقف التي تصدر عن الأشقاء، وخاصة أولئك الذين ما زلنا نثق بهم، والتجربة أثبتت أنّهم أناسٌ وطنيون حريصون على المصلحة الخاصة لشعوبهم والمصلحة العامة للأمة، لكي نخفف من وطأة ردود أفعالنا ونحجبها عن اتهامات التخوين والعمالة والتخلي عن المشروع، والتي عادةً ما تكسبنا العديد من الأعداء، أو تجعل الأخوة والأصدقاء يتخلُّون عنّا وعن قضيتنا.
هناك ظروف خاصة في كل تجربة لن نعرفها، وأصحاب التجربة ليسوا مضطرين لتوضيحها لنا، لأنّ في توضيح بعض الظروف انكشاف للمشروع أمام الأعداء، وجعل نقاط ضعفه عرضةً للاستهداف المباشر.
علينا أن نتعامل بمزيد من الثقة وحسن الظّن فيما بيننا، وأن نتورع عن الخوض في الدماء والأعراض والشرف والتخوين قبل أن يكون ذلك جلياً واضحاً. فالأمة اليوم تحتاج أن تقف إلى جانب بعضها بشدة وقوة، متناسيةً كلَّ الخلافات الصغيرة على مستوى الشعوب والقيادات.
هذا الأمر ينطبق على تعاملنا مع بعضنا كأفراد ومؤسسات في الثورة، فليعذر بعضنا بعضاً قبل أن تنال ألسنتنا من لحومنا، ونغدو أعداءً نتربّص ببعضنا الدوائر والملمّات، ويملأ التخوين خطاباتنا، ليظنّ كلّ واحدٍ ألا أحد مخلصاً للثورة والوطن غيره، ممّا يزيد فرقتنا وقتالنا، ونريح عدونا من مؤونة حربنا، فنتساقط واحداً تلو الآخر، حتى إذا لم يبقَ إلا القليل. كان أمره هيناً بالنسبة إلى أعدائه.
لا تتصور أنّ هناك من لا يخطئ، فلم يعد يوجد أنبياء معصومين، والكلّ معرضٌ للخطأ والغفلة والنسيان، وما تراه أنت في غيرك هناك الكثير ممّن يرونه فيك، فلنلتمس الأعذار، فإن لم نجد، فالتمس الجهالة، واذهب إلى النصح قبل أن تذهب إلى العداوة، لكيلا نصبح من النادمين.
المدير العام / أحمد وديع العبسي