| دراسة مصغرة |
مقدمة
“نتيجة الدور البارز الذي تلعبه المؤسسات الإعلامية على الساحة السورية وظهور تأثيرها القوي على الرأي العام سلباً وإيجاباً، وبعد بروز الحاجة إلى ميثاق يعمل على وضع قواعد أخلاقية مهنية تضبط العمل الإعلامي من جهة، وتضمن للمجتمع حرية الإعلام، قامت مجموعة من المؤسسات الإعلامية السورية المؤمنة برسالة الإعلام الأخلاقية وبدوره الحاسم في بناء دولة ذات نظام حكم يكفل المواطنة والعدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية بالاجتماع في طاولة مستديرة للتباحث في إصدار ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”[1]
جاءت هذه الأسطر في مقدمة النظام الأساسي لميثاق شرف الإعلاميين السوريين لكي تؤكد على أن تأسيس الميثاق لم يكن ترفاً إعلامياً قامت به مؤسسات إعلامية ليس لديها ما تفعله سوى تبادل نقل الأخبار، وإنما حاجة ملحة نتيجة النضوج الكبير لمؤسسات الإعلام السوري، والذي يسعى لنقل الحقيقية بشكل يليق بالإنسان السوري وبمتلقي المعرفة أينما كان.
هذه الأمانة التي حملتها المؤسسات السورية من أجل ضمان وصل الحقيقة جعلتها تتداعى في اجتماعات كثيرة على مدى سنة كاملة بين 2014 و2015 في ثمان طاولات، للتباحث والنقاش واستعراض التجارب المماثلة للشعوب والدول، والاستعانة بخبراء في صياغة المواثيق الإعلامية، من أجل صياغة ميثاق للإعلام السوري يركز على المحتوى، على الرسالة الإعلامية كغاية أساسية في العمل الصحفي والإعلامي.
التعريف
جاء في النظام الأساسي أن الميثاق هو “وثيقة الشرف الناظمة لمهنية وأخلاقيات العمل الإعلامي والتي توافق عليها الأعضاء”[2] في إشارة إلى أعضاء الهيئة العامة من المؤسسات الإعلامية التي أخذت على عاتقها تأسيس الميثاق، وكل تلك المؤسسات الأخرى التي وافقت على بنوده فيما بعد، ووقعت عليه وانضمت لهيئته العامة.
ثم تم التعبير عن غاية الميثاق بوضوح من خلال الرؤية والرسالة، لتركز بوضوح على أمرين غاية في الأهمية هما[3]:
- الوصول إلى المعلومات ومصادر الأخبار بشكل مهني (التركيز على المحتوى)
- تمكين المؤسسات الإعلامية من ممارسة الإعلام بأخلاق ومهنية (التركيز على رفع كفاءة المؤسسات من أجل تقديم محتوى ضمن معاير الأخلاق الصحفية)
إذاً .. فالمحتوى هو جل تركيز الميثاق، وهدف الميثاق الأساسي هو النظر دائماً نحو المحتوى، وبالتالي كل تلك الأخلاقيات الصحفية التي ستأتي في نص الميثاق ستهتم بالمتلقي لأنه الهدف الرئيسي للمحتوى.
وهذا ما جاء بشكل صريح في المقدمة “يهدف الميثاق الى ضمان أن المشهد الإعلامي السوري المزدهر يمكن أن يسعى بشكل كامل لخدمة مصالح واحتياجات الجماهير السورية بكل ثقافاتها وتاريخها ولغاتها وأعراقها ودياناتها، سواء داخل سوريا أو خارجها”[4]
التجربة
بدأ عمل الميثاق فعلياً منذ أكثر من 4 سنوات، تحديداً في أواخر 2015، وخلال تلك الفترة واجه العديد من المشكلات في بنيته التنظيمية وفي عمله مع وسائل الإعلام، مما أسهم في إنضاج المؤسسة التي تحمل الميثاق وتعمل على تطبيقه، وهي إحدى المؤسسات السورية الرائدة، التي يتميز عملها بالشفافية والمراقبة، كما أنها تدار من قبل مجلس منتخب من الهيئة العامة (المتمثلة بمؤسسات الميثاق) يعاد انتخابه كل سنتين، ضمن عملية انتخابية كاملة.
طبعاً مثل كل المؤسسات الناشئة مرت هذه المؤسسة بإشكاليات متعددة، خاصة وأنها تقوم على عمل يشمل المؤسسات لا الأفراد، وهذا يعتبر تحدي كبير، كان تجاوزه والبدء برسم الخطوط التنفيذية لعمل الميثاق انجازاً مهماً جداً في مرحلة السنوات الأربعة الأولى.
خلال التجربة السابقة من العمل اتضح العديد من المفاهيم التي كانت غامضة، وانضم عدد من المؤسسات إلى الميثاق بعد نضوج هويته ووضوح أهدافه، وأصبح جاهزاً ليبدأ بالعمل على مراقبة المحتوى الإعلامي السوري بشكل فعال، ويصدر التقارير اللازمة لمساعدة وسائل الإعلام على ضبط هذا المحتوى مهنياً وأخلاقياً، ومن أجل ذلك نفذت مؤسسة الميثاق العديد من الاجتماعات وورش العمل في الفترة السابقة.
وما ينتظر الميثاق حالياً هو إطلاق إحدى أهم لجانه أو أدواته التنفيذية التي ستشكل العمود الفقري في عمله، إلا وهي لجنة الشكاوى، التي ستقوم بتدقيق محتوى وسائل الإعلام، وتلقي الشكاوى حولها، وتقديم النصائح والتقييمات للإعلاميين ووسائل الإعلام من أجل تحسين المحتوى الذي يعرضونه، بالإضافة لتوجيه التنبيهات اللازمة للأعضاء من أجل العمل على الالتزام بالميثاق كمعيار أساسي للمحتوى الصحفي والإعلامي.
الأخلاقيات الصحفية كيف أصبح المحتوى في الواجهة
لعل المفتاح الأساسي للأخلاقيات الصحفية يكمن في هذه المقولة: “كل مؤسسة صحفية ترتكز على مصداقيتها وتعتمد عليها”[5] ، فالمصداقية والحقيقة هي الأساس الذي تحوم حوله معظم الأخلاقيات التي تنتهجها مواثيق الشرف الإعلامي عامة. وهذه العبارة تضع (المحتوى في الواجهة)
يجمع المتخصصون بوسائل الاتصال الجماهيرية على أن لكل مهنة في المجتمع أخلاقيات وسلوكيات تعبر في مضمونها عن ((العلاقات بين ممارسيها من ناحية والعلاقات بينهم وبين عملائهم من ناحية ثانية، وبينهم وبين المجتمع الذي ينتمون إليه من ناحية ثالثة وهذه الأخلاقيات والسلوكيات قد تكون متعارفاً عليها، وقد تكون مبادئ ومعايير يضعها التنظيم المهني للمهنة))[6]
ولا تخرج أخلاقيات الصحافة عن هذا فهي تهتم بالمتلقي بالدرجة الأولى “فإذا كان الاقتراب من الجماهير ومخاطبتهم بلغة سلسلة والاستجابة لحاجتهم من ضرورات العمل الصحفي وشروطه، فذلك لا يعني أبداً الانحطاط بمستوى الكتابة الصحفية سواء من حيث اللغة والأسلوب أم من حيث الموضوعات وما تتناوله إلى درجة التملق الرخيص والتزلف المفضي إلى تناول الموضوعات التافهة بدعوى أنها هي التي تثير انتباه الجمهور وتشده إلى الصحيفة، والصحفي إن فعل ذلك أساء إلى الجمهور وتحول برسالته من أهدافها السامية إلى مستوى التضليل والتعزير والإفساد”[7].
لقد ركّز الميثاق على المحتوى لأنه يريد مراقبة العمل لا الأشخاص، يريد أن يركز على الرسالة الإعلامية لا على المرسل، وهذا شيء في صميم أخلاقيات الصحافة والأخلاقيات العامة، حيث يبتعد الميثاق عن كل الأمور التي قد يكون فيها كيدية شخصية أو مشكلات بينية بين الأفراد والمؤسسات أو أي شيء آخر له علاقة بالشخصنة وإطلاق الأحكام المسبقة لاعتبارات إيديولوجية أو طائفية أو سياسية، أو … أي نوع من الخلافات التي قد تجعل الميثاق أو الممثلين له يبتعدون عن مهنية الطرح والتعامل وشفافية الأداء.
الاهتمام بالمحتوى يتجاوز قائله، ويجعل تخصص الميثاق هو في طلب العمل الصحفي، وفي صلب المهنية والمسؤولية والمحاكمة الموضوعية البعيدة عن أي تحيز أو مواقف مسبقة، لأنها تحاكم النص، وتنظر في أهليته للنشر وامتثاله لشروط المحتوى الصحفي.
وقد عبر نظم لجنة الشكاوى بوضوح عن اختصاصها عملها عندما قال: “تختص اللجنة بالمحتوى الإعلامي المنشور على وسائل الإعلام المختلفة، ويتضمن: الصور، النصوص، الفيديو، التسجيلات الصوتية، الرسوم الكاريكاتورية، الجداول البيانية والمخططات”[8]
وبهذا يكون المحتوى هو الهدف الأساسي والرئيسي من عمل الميثاق ولجنته التنفيذية.
المعايير
لقد حدد نظام لجنة الشكاوى الذي وضعه ميثاق شرف أهم المعايير التي يجب الالتفات إليها أثناء تقييم المحتوى، من خلال مدونة سلوك تلتزم بها اللجنة التي ستنظر في الشكوى، وقد استمدت هذه المدونة معاييرها من مواد “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”.
وتتمثل هذه المعايير بـ:
- الدقة والصِحة والوضوح
- النزاهة
- احترام الخصوصية
- احترام الحقوق الفكرية
- حماية المصادر
- تجنب القدح والذم والتحقير
- عدم التمييز
- احترام كرامة الضحايا
- عدم التشجيع على العنف أو التحريض على الجريمة أو انتهاك القانون
- التنميط
- الافتراء والتجني
- المسؤولية تجاه الأطفال
- الإيذاء والتسبب بالضرر
وشرح النظام هذه المعايير باستفاضة، من أجل أن لا يلتبس معناها أو تفهم بطريقة مختلفة عمّا أراده واضعوا النظام.[9]
التطبيق ولجنة الشكاوى
ما هو نظام الشكاوى:
ورد في نظام لجنة الشكاوى ما يلي: “هو مجموعة الإجراءات والمعايير والشروط الناظمة لعمل لجنة الشكاوى في هيئة “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”.
مهمته:
- التحقيق في الشكاوى المتعلقة بالمحتوى الصحفي المنشور على وسائل الإعلام السورية.
- إصدار التقارير والأحكام المتعلقة بالانتهاكات والخروقات المهنية في وسائل الإعلام السورية من خلال لجنة مستقلة.
- التدريب والتوعية والإرشاد في المعايير المهنية والأخلاقية في الإعلام، والممارسات المثلى في مهنة الصحافة.
إطار عمل نظام الشكاوى:
- وسائل الإعلام السورية
- الأفراد الصحفيون في إطار عملهم في وسائل الإعلام السورية
يتبع نظام الشكاوى تنظيميًا لهيئة “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، وهو مستقل فيما يتعلق بأعماله وقراراته[10].
الفكرة والتنفيذ
نظام الشكاوى هو مبادرة يطرحها ويدعمها “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين”، في إطار جهود التنظيم الذاتي لقطاع الإعلام السوري، بهدف تطوير الممارسة الإعلامية ورفع الجودة المهنية للمحتوى الصحفي المنشور في وسائل الإعلام السورية المختلفة، وتقوم بتنفيذه لجنة مختصة تسمى “لجنة الشكاوى”.
تستمد اللجنة سلطتها من المرجعيات الأخلاقية والأعراف المهنية لمهنة الصحافة، وجميع قراراتها ذات إلزام أخلاقي وأدبي، وهي غير ملزمة قانونيًا، ولا ينشأ عنها أي إجراءات قضائية أو عقوبات مالية.
تصدر اللجنة تقاريرها دوريًا (بشكل سنوي) بشكل علني بهدف توثيق القرارات والأحكام المتعلقة بالانتهاكات لمدونة السلوك المهني لمهنة الصحافة.
يسعى نظام الشكاوى من خلال عمله إلى تنظيم العلاقة بين الجمهور ووسائل الإعلام السورية، وتوعية الجمهور بحقه في الشكوى وتصويب أخطاء النشر والاعتراض على الانتهاكات المهنية والأخلاقية، التي قد تنتج عن التغطيات الإعلامية لوسائل الإعلام السورية، وترشده إلى أساليب ممارسة حقه بطرق مهنية.
كما يسعى إلى حث وسائل الإعلام على الحذر أثناء الممارسة الإعلامية من ارتكاب المخالفات والانتهاكات المهنية التي قد توقع ضررًا بالجمهور.
تحرص لجنة الشكاوى خلال عملها على تجنب شحن أطراف الشكوى، وإثارة الحساسيات والخلافات بين الجمهور ووسائل الإعلام.
تتسم إجراءات ومداولات لجنة الشكاوى بالسرية الصارمة، ويلتزم أعضاؤها بعدم إفشاء أو تسريب أي معلومات متعلقة بالشكاوى.
وتوصي اللجنة أطراف الشكوى بعدم نشر أي معلومات أو مراسلات تتعلق بالشكوى قبل صدور الحكم النهائي.[11]
من خلال ما سبق تم توضيح الفكرة وآلية تنفيذها عبر لجنة الشكاوي، وقد تم وضع جميع الخطوات اللازمة من أجل عمل اللجنة والتي سيصدر نظامها النهائي قريباً عبر موقع الميثاق وسيتم توزيعه على وسائل الإعلام السورية، أعضاء هيئة ميثاق شرف بشكل أساسي، وعلى الوسائل الأخرى العاملة في الشأن السوري.
خاتمة (نحو الأمام)
يطمح ميثاق شرف كمؤسسة أن يكون مظلة لجميع المؤسسات الإعلامية دون أن يأخذ دور الرقيب عليها، وإنما أن يكون له دور التقييم والتقويم، وذلك من خلال المزيد من ورش العمل المشتركة بين هذه المؤسسات لشرح بنود الميثاق كأساس للصحافة الأخلاقية السورية، والتدريب المستمر للعاملين في هذه المؤسسات من أجل رفع سوية المحتوى الذي ينشر فيها ليكون بعيداً عن أي انتهاكات، او اساءات تجعله غير مهني وغير مسؤول، أو محتوى مخادع … وجميعاً يعرف أن المحتوى الصحفي والإعلامي عموماً هو أمانة كبيرة تعتبر أحد أهم روافد المجتمع بالتوعية والمعرفة، لذلك عدم الاهتمام بها من النواحي الأخلاقية والمهنية المتصلة بها، ربما يتسبب بتفجر مشكلات كبيرة في المجتمع بسبب المحتوى الذي لا يلتزم بحدود المهنية والمسؤولية والأخلاقيات العامة، والموضوعية وعدم الانحياز، أو الذي يحتوي على خطاب كراهية أو عنصرية تجاه أحد مكونات المجتمع.
ما زالت الرسالة في بدايتها وتحتاج لكي تنجح جهود كبيرة من الجميع، وتضافر العمل والتنسيق بين مختلف مؤسسات الإعلام السوري داخل سوريا كلها، أو التي تعمل من خارج الحدود.
لتحميل الدراسة بصيغة pdf اضغط على الرابط دراسة لجنة الشكاوى في ميثاق شرف
الهوامش
[1] مقدمة النظام الأساسي للميثاق https://almethaq-sy.org/ar/rulesofprocedure الرابط المرفق لنص النظام على موقع الميثاق.
[2] المصدر نفسه
[3] بإمكانك الاطلاع على الرؤية والرسالة والأهداف عبر المصدر السابق.
[4] المصدر السابق.
[5] توني بورمان ، مدير التحرير السابق لسي بي سي نيوز، انترنت
[6] د. محمد محمد البادي، الإطار التربوي لقضية الأخلاقيات المهنية في وسائل الاتصال الجماهيرية, المجلة المصرية لبحوث الاعلام، جامعة القاهرة العدد الاول ,1997 ص208
[7] سلامة موسى، الصحافة حرفة ورسالة، ص49
[8] بإمكان القارئ الاطلاع على نظام لجنة الشكاوي وعلى المعايير من خلال موقع ميثاق شرف https://almethaq-sy.org/ar
[9] المصدر السابق
[10] المصدر السابق
[11] المصدر السابق