لم يكن سقوط حلب مفاجئاً وصادماً إلا للمجاهدين الصادقين، ولأهلها الذي عاشوا سنيناً ينعمون بين حطامها بطعم الحرية التي طالما حلموا بها، ولم يكن لديهم سوى خيار واحد وهو الانتصار، لكن المشهد إقليمياً كان واضحاً بعد أن رُسمت ملامحه.
لماذا تمَّ رسم المشهد بهذه الطريقة المخزية؟ وهل كان لنا نصيب في هذه اللوحة؟ في ظلِّ التباعد والتنافر الذي تعيشه قوى المعارضة المسلحة، وغياب الرأي الواحد الذي يجمعها ناهيكم عن النزاعات المختلفة التي تعيشها بعض الفصائل، وتحول كثير من المقاتلين للانخراط بعملية درع الفرات شمالي حلب من فيلق الشام وأحرار الشام والزنكي، كلُّ ذلك بما فيه الضغط الروسي الإيراني، ودعم الأسد، أدَّى إلى تسليم المدينة. فقد أفرز التنافر بين الفصائل تقاربا روسيا أمريكيا مفاده تقويض المقاتلين الذين ينتمون للحركات الإسلامية في رقعة جغرافية محددة وهي إدلب، وبذلك حصر المعركة، وضمان عدم تمددهم.
النصر الذي رقص على دماره جيش النظام وداعموه الرئيسيون الروسي والإيراني لن يغير الكثير على الأرض، ولن يستطيع النظام إعمار ما دمَّره، لكن ذلك سيعطيه الأفضلية والأريحية لنقل قواته إلى مناطق أخرى، أو التقدم باتجاه ريف حلب الجنوبي لتوسيع رقعة السيطرة، وبسيطرته على حلب يضمن عدم تحول حلب إلى منطقة آمنة في ظلِّ تقدم قوات درع الفرات المدعوم من تركيا، والذي يهدف إلى عدم تلاقي الأكراد، والإعلان عن دولتهم على الحدود التركية، فالهدف التركي من عملية درع الفرات ليس منقطة آمنة ينعم فيها السوريون بالأمان، بل هو من أجل أمنهم الإقليمي، وبذلك يكون لعملية درع الفرات سقفاً جغرافياً ربَّما لم يكن ليشمل حلب، ولو كان شاملا لها لما كانت تركيا من الموافقين على تسليم حلب.
التشرذم الذي تعيشه قوى المعارضة، والإحجام عن التفاوض السياسي، وعدم القناعة به، لم يترك لهم الكثير من الخيارات، وحتى إن لم يقبلوا به فليس لديهم حلولا بديلة، فمن جلس مع روسيا منذ سنوات اتّهم بالعمالة والخيانة، اليوم الأمر بات أكثر قبولاً، فهناك من يرسم لنا اللوحات، فإمَّا أن نشارك في هذه الرسمة، أو نبقى خارجاً ننتظر النتاج لنكون البيادق التي تتحرك ضمن الاتفاقيات المبرمة.
الثورة السورية ثورة حق على باطل، والنصر سيكون حليف هذا الحق، المسألة هي بلعبة الزمن.
أحمد جعلوك