علي سندة |
إن العمليات العسكرية الأخيرة لمليشيات الأسد وروسيا في هذه المرحلة لم تنتهِ بعدُ بدخول (معرة النعمان) والعديد من القرى المجاورة لها، فهي ماتزال مستمرة تحت بند تطبيق اتفاق سوتشي كما صرح يوم أمس الجمعة المتحدث باسم الكرملين (ديمتري بيسكوف) في معرض رده على الرئيس التركي (أردوغان) الذي قال في اليوم نفسه: “إن ما تقول به روسيا يتعارض مع اتفاقتي آستانة وسوتشي”.
وبين استمرار تراشق الأقوال والتصريحات (التركية، والروسية) منذ سنتين إلى الآن يذهب السوريون وأرضهم التي تتقلص يومًا بعد يوم فَرقَ حسابات لا أكثر ضمن لعبة (سوتشي) التي يُديرها الأطراف، فبحسب فريق (منسقو الاستجابة) في سورية قُتل أكثر من 1900 مدني في إدلب، ونزح أكثر من مليون ونصف المليون نازح منذ توقيع اتفاق سوتشي في سبتمبر 2018 حتى الآن، وسنسمع عن إحصائيات لاحقًا إلى أن يبلغ هدف سوتشي منتهاه، كل ذلك حدث بوجود ضامن لهؤلاء السوريين!!
إن ما يحدث الآن في أرياف إدلب وحلب، واستمرار قضم المناطق من قِبل النظام السوري وميلشياته، هو تطبيق لمقررات سوتشي المستحيلة التنفيذ وقتها، نظرًا لعدة أسباب أهمها: المدة الزمنية القصيرة جدًا، كاستحالة استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين (إم 4 – وإم 5) بحلول نهاية عام 2018، علمًا أن اتفاق سوتشي أبرم في 17 أيلول/سبتمبر من العام نفسه، فضلاً عن استحالة رضا السوريين بالاتفاق وتنفيذه، واستحالة تركيا في التنفيذ منفردة بصفتها ضامن والمفروض أن الضامن مع من ضمن لا عليه، فضلًا عن توسع النفوذ الرديكالي وقتها بدل أن يتقلص.
واستنادًا إلى ما سبق يمكن قراءة التنفيذ على مراحل وبالقوة، فالمرحلة الأولى إخراج الاتفاق إلى حيز الوجود وجعله أمرًا واقعيًا لا بد من تطبيقه، ثم بدء المرحلة الأخرى وهي التنفيذ، ومعها بدأت لعبة الاتهامات الروسية التركية حيال الاتفاق ظاهريًا، فالغاية هي التطبيق مع إظهار ما يحدث على أنه ليس برضا طرفي الاتفاق، وباب الإعلام مفتوح لدى الطرفين للتفنن في ذلك.
إن روسيا أباحت مؤخرًا، كما أوردنا، أنها لم تخرج عن مقررات سوتشي فيما تفعله حاليًا وأنها ملتزمة بالتنفيذ، بل إن إعلام النظام السوري بدأ يورد التقدم الحاصل في إعلامه على أنه ترجمة لاتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا، فضلاً عن وجود الحجة الدائمة في مكافحة الإرهاب واتهام تركيا بالعجز في إنهائه.
وأما تركيا فعلى عاتقها العبء الأكبر في لعبة تصدير التصريحات التي يجب أن تُدلل من خلالها على عدم رضاها عمَّا يحدث، فمن وضعها الخطوط الحمراء لإدلب التي ينتهكها النظام وروسيا دائمًا، إلى الرد على قضم المناطق وارتكاب المجازر بالاتصالات الهاتفية الفارغة مع موسكو، وعقد الاجتماعات التي دائمًا تنتهي بالعودة إلى خفض التصعيد وسوتشي مع عدم إعادة المناطق التي يتم قضمها، إلى لعبة نقاط المراقبة التي مهمتها إيجاد مبرر أمان مؤقت للأهالي وإلقاء السلام على مليشيات الأسد أثناء المرور من أمامها، إلى تصريحاتها الأخير بنفاد صبرها الذي لم نرَ له حدودًا بعد! إلى التصريح بإمكانية تنفيذ عمل عسكري ما لم تتوقف روسيا عمَّا تفعله! إلى إبلاغ بوتين أن اتفاق سوتشي قد ينهار، إلى العمل على الجانب الإغاثي لتغطية ما يحدث من مآسٍ وتجاهل المسبب الرئيس في تهجير الأهالي ونزوحهم، إلى تصدير مسألة السوريين وابتزاز أوربا بهم مالم يتوقف التهجير والعنف، إلى إبلاغ الفصائل بالمقاومة لعدم التوصل مع روسيا إلى حل، ومؤخرًا وضع نقطة مراقبة بسراقب فسرها الأهالي أنها نقطة لاستكمال تسليم المنطقة، إلى السماح للجيش الوطني بفتح عملية عسكرية من محور مدينة الباب باسم (العزم المتوقد) التي ربما تكون جائزة ترضية للسخط الشعبي الحاصل، وتوجيه محور الإعلام نحوها ونسيان ما يحدث بإدلب، أو تصرف منفرد من الجيش الوطني، مع تمنياتنا بالتقدم في المعركة وتخليص كل الأرض السورية من الأسد …إلخ.
كل القراءات تُشير إلى أن ما يحدث هو تنفيذ لاتفاق سوتشي برضا الأطراف، إذ لا يُعقل أن تسوء العلاقات التركية الروسية وتعود إلى زمن إسقاط الطائرة الروسية بصاروخ تركي. أخيرًا لا أحد يدري أين سيقف مسلسل سوتشي بين الأطراف الذي مايزال الأهالي يتجرعون سمومه مع زمهرير الشتاء.