جاد الحق
ما بين باص أخضر يُحرَق، وآخر يزدحم على بابه المقاتلون والمدنيون تكمن آلامنا، وتبرز مشاكلنا.
في مشهد يذكرنا بحالات الشغب التي تحصل عقب المباريات الرياضية، قام بعض الغوغائيين من الذين تقودهم العواطف وتحركهم، بحرق الباصات التي مهمتها إجلاء بعض من مصابي كفريا والفوعة، مقابل إجلاء عشرات آلاف المسلمين المحاصرين في مضايا والزبداني وحلب.
ارتفعت ألسنة اللهب والدخان الأسود، لترتفع معها صيحات التكبير، فقد أحرز المجاهدون نصراً عظيماً في غزوة الباصات، حيث استطاعوا حرق عدة باصات للنظام وأطلقوا النار على أحد سائقيها فأصيب على إثرها.
خرجت الكلمات الحماسية أمام بقايا الباص المحترق، لتمجّد هذا الفتح العظيم، وتثني على من صنعه وتتوعد بالمزيد.
بنظرهم أنهم قد أحسنوا صنعاً، ووضعوا حداً لأولئك المتخاذلين المتواطئين مع العدو، الذين يحمون حماه وسلموه حلب.
مما يدفعنا للتساؤل، هل من أحرق الباص غايته فعلاً نصرة حلب أم أنه يخشى على فقدان مصدر رزقه بخروج من يهرّب لهم من أهل الفوعة وكفريا!؟
ما حصل في إدلب لم يكن فعلاً عشوائياً كما يبدو، بل هناك من شحن الناس، وحقن النفوس، ووجه الغضب العام، ليسوق لنفسه، ويُسقِط الآخرين.
خطاب المزاودات المعروف، والوجوه المشبوهة التي ظهرت في الصور، تسبقها حملة الشائعات الطويلة التي طالت فصائل بعينها، وحرّضت العوام على الشغب، وذلك عبر بث الشائعات والأخبار المشبوهة في غرف الواتساب، وقنوات التلغرام، وحسابات التويتر الوهمية، مع ما يبثه العاطفيون من دعوات تحريض موجهة ومباشرة عبر المراصد، كل ذلك أدى لهذه النتيجة.
فتحت شعارِ فضح الفساد والمفسدين، نجد صفحات وقنوات تلغرام مشهورة، تديرها أصابع مشبوهة تقف في الظل، وتوجه منشوراتها بلغة مزاودات تشبع رغبة العاطفيين، وتتستر بها لتبث وهمها، وللأسف نجدها تلقى رواجاً في صفوف أعداء الثورة بشكل عام، سواء كانوا ممن يتباكون على أيام النظام ويرونها الأندلس المفقود، أو ممن يرى رأي الخوارج.
ما يجمع الفئتين على السواء هو بغض الثورة والثوار، فلا يهم من يحكم أو ينتصر النظام أم داعش، لكن المهم أن نوجه طعنة قاتلة لجسد الثورة.
وعلى الطرف المقابل للباص الأخضر، نجد آلاف المقاتلين والثوار الذين فقدوا إرادة القتال، يقفون بكل استسلام ليركبوا الباص الأخضر ويذهبوا.
فمذ بدأت حقبة الباصات الخضراء، وجد بها ” المتثورنون ” طريقاً يجنبهم الأذى، ويهديهم السلام المنشود.
فما أوهن عزيمتنا في القتال، كتأميننا أن هناك باصاً أخضر سينقلنا لمنطقة أخرى.
هذا الخيط الرفيع من الأمل اليائس، مده النظام لنا بمكر لنشنق به إرادتنا القتالية.
فلو كنا متيقنين ألا باص أخضر سينتشلنا من الحصار، لقاتلنا للرمق الأخير والطلقة الأخيرة، وأثخنا بالنظام بما قد يكسر شوكته، ويقلب نصره هزيمة مذلّة.
ما أحوجنا للحظة نضع بها الباصات الخضر خلف ظهورنا، ونعطي وجوهنا لأعدائنا، ثم نحرق تلك الباصات، في محاكاة لأسطورة حرق السفن التي قام بها طارق بن زياد، حينها فقط نقاتل قتال اليائس المستميت الذي يقلب الموازين، ويجعل النظام يترجانا لتركبه الباصات الخضر إياها.