أجساد تعذّب وتُجلد، أطراف تُقطع وتصلب، كرامة تُنهب وإرادة تُسلب، دماء تُهدر بسبب وبلا سبب، مجازر وإبادة جماعية تتكرر بلا توقف، دمار وخراب، قتل وتشريد، سجن وتعذيب، قهر وتنكيل، دموع وآهات، صراخ وآلام..
أشكال وأطياف من العذاب تتراءى لنا كل يوم بمشهد جديد، نقف حائرين ومشدوهين، وأحياناً ثملين ومستنكرين أن ما يحدث ليس إلا ضرباً من ضروب الأوهام والكوابيس. أو هذا ما كنا نتمناه على الأقل ونحن نحاول تجفيف الدمع المتأجج في مآقينا في كل مرة يصيبنا العجز والقهر مما يحصل من حولنا. قلوب بلغت الحناجر من الخوف والجزع، ظنون وشكوك باتت تراودنا وتُنبئ عن استنكار وتساؤل يُمحص عن معجزة إلهية تنهي كل ما يدور ويجري في زماننا، شرود وحزن ثقيل بات يُلمح في نظراتنا الزائغة، وكأن جبلاً من الهموم قد أثقل كاهلنا، فسبقنا من هم في مثل عُمرنا بكثير، حتى صارت كلمة “هرمنا” تتردد على ألسنتنا بين الحين والحين، سواء أكنا متقصديها أم كنا مازحين، لا يهم..
أهوال مخيفة ومفزعة تتراءى لنا على أنها قيامة صغرى لم يشهد التاريخ لها مثيل، ولكن لو تكلم التاريخ لضحك منا ومن ظنونا، فقد شهد فيما قبل ما هو أفظع وأقسى مما نراه اليوم، ولكن عيبنا أننا لم نسأله عما عانه وشهده فيما سلف، لنتعلم ونستخرج منه دروساً تكون زاداً لنا في معركة الحياة..
فكل قرح وألم يمسسنا اليوم قد مسَّ أقواماً سبقتنا، أقوام أهينوا وعذبوا، وقُطعوا وصلبوا، وذاقوا وعانوا أكثر منا، فمنهم المؤمنون الصابرون، ومنهم العاجزون اليائسون..
أم حسبنا أن الجنة بالمجان وأن ندخلها دون أن يصيبنا بأساء وضراء تزلزلنا ويبتلى فيها المؤمنون منا، ويكون بمثابة اختبار لصبرنا ومدى استحقاقنا للجنة؟!
فهل ترانا سئمنا الكفاح والجهاد؟ أم تخاذلنا وتناسينا دورنا ومسؤوليتنا تجاه الظلم والذل الذي يصيب المسلمين في كل زمان ومكان؟! هل صَغُر حجم الدماء في أعيننا فتقاعسنا وخُنّا أنفسنا قبل خيانة عهدنا مع الله؟!
لسنا في هذه الدنيا لنستذل أو نستباح، فنحن ما خُلقنا لهذا أبداً.. بل لنكون أسوة يقتدي بها من حولنا ومن يأتي بعدنا في رفض الهوان والاستكانة واللطم الدائم لنكون أهلاً في استحقاق الاستخلاف في الأرض كما استُخلف المؤمنون من قبلنا، بإيمانهم وجهادهم، وصبرهم وكفاحهم، مهما كلفهم من جهد ووقت وعمر، ولكن صدق قول رسول الله فينا: ولكنكم تستعجلون..