بقلم : إسماعيل المطيرتتردد في أوساط الناس في هذه الأيام أحاديث كثيرة عن إعلان نظام الأسد النفير العام في سورية، والذي سيسحب بموجبه الكثير من الشباب ممَّن وُلدوا عام ١٩٧٠م وما بعده، لإلحاقهم بالخدمة الاحتياطية في صفوف الجيش النظامي، فلماذا إعلان النفير العام؟، ومن يستهدف من فئات الشعب السوري؟في الحقيقة إنَّ النظام يخفي الكثير خلف ذلك الإعلان، ولا بدَّ لنا من توضيحه وفضحه أمام الناس، ليدركوا الخطر الذي يحيط بهم.لقد حدث انهيار في قوات الجيش النظامي أمام ضربات الثوار القاسية في كثير من أرجاء سورية خلال العامين الثاني والثالث من الثورة، و نتج عن ذلك تحرير الكثير من المناطق وخروجها بشكل كامل عن سيطرة النظام البرية، ورافق ذلك نفوق أعداد كبيرة من الشباب النصيري الذي يعتمد عليه النظام كركيزة أساسية لقوات الأمن وقيادات الجيش، إضافة إلى الانشقاقات الكثيرة المتكررة في صفوف الجيش النظامي، فحاول النظام تعويض النقص – الذي بدأ يعاني منه بشكل واضح- من خلال استعانته بالمجرمين و “الوسخات” من أجل القتال في صفوفه، إضافة لاستخدامه ميليشيات شيعية من إيران والعراق ولبنان وغيرها، ويبدو أن أعداد قطعان المجرمين لم تكن كافية لتسكين شهوة القتل لديه، فكان لا بدَّ من التفكير بطريقة تحث فئات الشعب السوري على الالتحاق بصفوفه من خلال خداعه بالخطاب الإعلامي.عزف النظام على وتر القومية العربية، فنادى بمحاربة “المجموعات المسلحة” التي تدعمها “إسرائيل” كما يدعي دائماً، ولم يحقق العزف على وتر القومية العربية تمام الفائدة التي كان يرجوها النظام، فغير خطابه الإعلامي، وبدأ يعزف على وتر الدين، و أوعز إلى كبير ” شبِّيحته” ومفتي إجرامه: “أحمد حسون” ليعلن الجهاد منذ حوالي عامين، الأمر الذي أثار السخرية آنذاك، وخاصة عندما بدأت قنواته الإعلامية ببث أناشيد جهادية ارتبطت فترة طويلة بتنظيم القاعدة، من قبيل: “سنخوض معاركنا معهم”، ووقع نتيجة ذلك في تناقضات كبيرة وتخبط لا مثيل له أمام الرأي العام، باعتباره العازف الأول على وتر محاربة الإرهاب.أدت خطاباته الإعلامية إلى تشكيل ميليشيات متنوعة مثل “كتائب البعث” و “قوات الدفاع الوطني” وغيرها، ثم الزج بها في جبهات القتال كرديف للجيش النظامي، وبدأت أعدادها تزداد طمعاً بالرواتب الكبيرة التي يدفعها النظام لمرتزقته من أموال داعمه الرئيسي “إيران”.ويبدو أنَّ الوضع تغير مع مرور الوقت، فبدأت إيران بتقليص دعمها لنظام الأسد بعد وقوعها في ضائقة اقتصادية، بعد فرض بعض العقوبات عليها وانخفاض أسعار النفط الذي تعتمد عليه بشكل كبير في دعم اقتصادها، ممَّا أثقل كاهل النظام اقتصادياً بسبب كلفة الحرب الباهظة، ونتيجة الأموال الضخمة التي يدفعها كرواتب لمرتزقته، فكان الحل الأمثل بالنسبة إليه هو إعلان النفير العام الذي سيتيح له مايلي:١-نقل أعداد كبيرة من مرتزقته السوريين للقتال بشكل مباشر في صفوف الجيش النظامي، وبالتالي خفض حجم الرواتب بشكل كبير.٢-زيادة أعداد قواته من خلال السحب القسري لعدد كبير من الشباب الذين فشل بإقناعهم -بشتى الطرق-بالالتحاق الطوعي بقواته.٣-إنَّ المستهدفين من إعلان النفير العام هم السنة فقط، وبالتالي سيحاول النظام القضاء على أكبر عدد ممكن من شباب السنة من خلال زجهم في معاركه، فإمَّا الموت في ساحات القتال على يد الثوار، وإمَّا التصفية الميدانية إن رفضوا القتال أو حاولوا الهرب، وفي كلا الحالين لن يخسر النظام شيئاً يهمه.وهنا لا بدَّ أن نذكر بما حدث في إحدى المعارك عندما تمكن الثوار من قتل عدد من جنود النظام، ثمَّ دار الحديث عبر جهاز اللاسلكي بين الثوار وأحد ضباط النصيرية في الجيش النظامي، كان الحديث يدور عن جثث “الفطائس” الذين قضوا على يد الثوار، فرد الضابط ضاحكاً: “هذه جثث كلابكم من السنة … رجالنا هاهنا يقرقعون المتة”.في الحقيقة لقد اختار كل مقاتل طريقه بنفسه، سواء كان هذا المقاتل ثائراً أو كان شبيحاً، وبالتالي فقد اختار نهاية طريقه بنفسه أيضاً.أمَّا هؤلاء ممَّن لم يرغبوا بالقتال في أي طرف، ويجلسون منتظرين دورهم ليُسحبوا رغماً عنهم إلى الجبهات ليقاتلوا أبناء دينهم، فسيجبرون على الموت ككلاب لا قيمة لحياتها أو موتها، وربما لا يجدون عند ذلك من يدفن جيفهم.