بقلم مصطفى السيدالخوف عامل إيجابي في حياة الإنسان إذا لم يسئ الإنسان أو يفرط في ممارسته، فهو حالة طبيعية وفطرية ولا يعتبر عيبًا أو نقصًا، فعدم الخوف بالمطلق هو الجنون وعدم الوعي، لأنَّه العامل الرئيس في دفع الإنسان لحماية نفسه وصيانة حقوقه وتجنيب نفسه الانزلاق في المهالك.ولكن هناك شريحة ليست بقليلة في مجتمعاتنا تستخدم الخوف استخداماً مفرطاً بشكل شعوري ولاشعوري، وذلك بالخوف من المستقبل والتعب والألم والسلطة والموت، ليصل فيها هذا الإنسان إلى مستوى الحالة المرضية التي تجعل من الخوف فيه عقدة نفسية تمنعه من التحرك والانطلاق والمبادرة والتغير، وينعكس ذلك على أرض الواقع خمولا وروتينا وجمودا ثمَّ ركودا وتخلفا.ومفاهيم شريعتنا الغراء وتعاليم ديننا الحنيف تدعو الإنسان وتحفزه إلى تجاوز عقبة الخوف والارتقاء بالنفس إلى مستوى الشجاعة الحكيمة والإقدام المسؤول، قال الله تعالى: ((الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا))وقد ابتلى الله من قبلنا الأنبياء والصالحين بالخوف، ولكنَّهم قمعوه بذواتهم ولم يسمحوا له أن يتعدى كونه حالة نفسية فقط دون ترجمته إلى واقع يظلمون أنفسهم به، ولنا بنبي الله موسى خير مثال عندما واجه طاغية زمانه فرعون، فقد تحرَّك هاجس الخوف في نفس نبي الله من قوة سحرة فرعون، ولكنَّه تمسك بموقفه ومهمَّته موقنا بنصر ربه، وقد أنزل الله قوله: ((لا تخف إنك أنت الأعلى))فالإيمان بالله والثقة بالنفس والتصميم على مواجهة الخطر والتخلص من قلق التوقع والاحتمالات أو الانتظار هو أول خطى النجاح وتحقيق الذات وبالنتيجة تلاشي الخوف، فالإرادة الصلبة والتفكير الإيجابي هي مقتل الخوف، ويجب على الإنسان المؤمن أن يقي قلبه هذا المرض لأنَّه سيجد نفسه بعد فترة إنسانا انعزاليا لا دور له أو طموح، وتنمو في ذاته مشاعر المصلحية والأنا وتخبو في نفسه روح التقدم والطموح، وللتنبيه فإنَّ هناك من يهربُ من جحر الخوف ليوقع نفسه في فخ الصبر والزهد وانتظار الفرج، هذه القيم السامية التي شُوهت معانيها من ضعاف النفوس ووظفت لتبرير الفشل والكسل واستهواء الخنوع والرضى بالذل، في حين إنَّ الصبر يجب أن يواكبه السعي والعمل، وأمَّا الزهد وانتظار الفرج فيوازيهما الدفاع عن الحق ومواجهة الظلم، وهذا ما يُمنِّي الرماديون به أنفسهم في مناطق الخنوع التي يسيطر عليها الاستبداد في شامنا، يغذونه بخوفهم ليتلقاها قوة في إجرامه وقمعه.أستطيع الآن أن أقول: إنَّ غاية ما تصل إليه الأخطار وأقصى ما تحمله هو إنهاء حياة الإنسان، وعند المؤمن لا يعتبر هذا الخطر مهمَّا أو عظيما لوجود علاقة عكسية بين أخطار الدنيا وأخطار الآخرة، فكلما قوي الاهتمام بأحد الخطرين ضعف الاهتمام بالخطر الآخر، وكما قال المؤمنون لفرعون بعد تهديدهم بالتقطيع والصلب نقول للخوف وأشباحه: ((لا ضير إنَّا إلى ربنا منقلبون))