أحمد ماهر
للإجابة على هذا السؤال علينا أن نعود بالزمن وتحديداً إلى تاريخ الحادي والعشرين من أيار لعام ألفين وخمسة عشر، اليوم الذي أعلن فيه تنظيم الدولة سيطرته الكاملة على المدينة التاريخيّة، وانسحاب قوات النظام السوري منها، فكيف بليلة وضحاها يسيطر التنظيم التكفيري على المدينة وتنسحب منها قوات النظام دون أي معارك تذكر؟!
حيثُ جاء في البيان الذي أصدره التنظيم وقتها ونشره أتباعه على موقع تويتر يوم الخميس أنّه قد سيطر بالكامل على مدينة تدمر السوريّة بما في ذلك المطار العسكري وسجنها ذائع الصيت بعد انهيار القوات الموالية للحكومة هناك، لتكون هذه أول مّرة يستولون فيها بشكل مباشر على مدينة من الجيش السوري وحلفائه، وأضاف البيان أيضاً “وذلك بعد انهيار قوات النظام النصيري وفرارهم مخلفين وراءهم أعداداً كبيرة من القتلى ملأت ساحة المعركة فلله الحمد والمنة” ولم يذكر البيان أي أعداد للقتلى
وقد جاء في ردود الفعل آنذاك عقب إعلان التنظيم سيطرته على المدينة، أنَّ المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا دعت إلى إنهاء الأعمال العدائية في تدمر فوراً عقب ورود تقارير عن دخول مسلحي تنظيم الدولة لموقع التراث العالمي، وقالت بوكوفا: “أشعر بقلق عميق إزاء الوضع في موقع تدمر، فالقتال يشكل خطراً على أحد أهم المواقع التاريخيّة في الشرق الأوسط وعلى سكانها المدنيين”.
وقال مأمون عبد الكريم مسؤول الآثار في سوريا “هذه معركة العالم كله”، ودعا قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة إلى منع تنظيم الدولة من تدمير هذا الموقع الأثري، وهي بذلك مهمّة من الناحية الدعائيّة أيضاً لأنّها محط أنظار العالم بسبب آثارها المدرجة على لائحة التراث العالمي.
ويضاف إلى ذلك أهميّة لا تبدو بأنّها أقل ألا وهي أهميّة جغرافيّة، حيثُ تتمتع المدينة الواقعة في محافظة حمص وسط سورية بموقع استراتيجي مهم لأنّها تربط شرق سورية بغربها، كما أن السيطرة عليها يقرّب التنظيم من العاصمة دمشق، كما أنّها تفتح له الطريق نحو البادية المتّصلة بمحافظة الأنبار العراقيّة.
فلذلك وللأسباب ذاتها التي دفعت التنظيم حينها للسيطرة على المدينة لتحقيق انتصار يكون له صدى إعلاميا على حساب النظام الذي تعمّد خسارة المعركة آنذاك معه؛ لكي يثير الرأي العام العالمي بأنّه يواجه تنظيما إرهابيا وليس شعبا يطالب بحريّته وكرامته وأبسط حقوقه في العدالة الاجتماعيّة، تتجدد المعركة على هذه المدينة العريقة، ولكن هذه المرّة بشكل آخر، إلا أنَّ الهدف الخفي هو ذاته، بل إنَّه في هذه المرة ثمَّة الحليف الروسي الذي يريد أن يحقق انتصاراً ذا صدى إعلامي كبير على الإرهاب المتمثّل بهذا التنظيم التكفيري الذي بات يهدّد العالم بأسره، وعلى حساب الولايات المتّحدة التي شكّلت تحالفاً دولياً لمحاربته، إلا أنَّ التحالف لم يحقّق أيّ انتصار عليه يذكر، وهذه المعركة أيضا تعيد تأهيل النظام وجيشه على وجه الخصوص من جديد وإظهارهِ بأنّه ما يزال يمتلك القدرة على المواجهة والانتصار رغم ما لحق به من ضعف وتفتيت وهزائم على يد مجموعات وفصائل المعارضة المسلّحة التي لا تمتلك ترسانة أسلحة كالتي يمتلكها هو، وأيضاً لا بدَّ للمليشيات الشيعيّة وخاصةً حزب الله اللبناني ذراع إيران القوي في المنطقة من نصيب في هذه المسرحيّة (المعركة) فمنذ أن دخل سوريّة لمواجهة شعبها الثائر، لم يحارب التنظيمات التكفيريّة التي صدّع سيّد المقاومة رؤوسنا بأنّ الحزب دخل سوريّة لمحاربتها كي لا تصل إلى لبنان، وبذلك نكون عرفنا لماذا تدمر.