تحقيق : بيبرس الثورة.تنتشر ظاهرة السرقات في حلب المحررة، وتكثر أسواق الأدوات المستعملة والمسروقة، وتكثر فيها المحلات التي تتاجر بمثل هذه البضائع دون رقيب أو حسيب، وتنتشر تلك المحلات أيضاً ضمن الحارات والأزقة مشجعةً اللصوص على الاستمرار بالسرقة بصورة غير مباشرة لكي يبقى التُّجار مستفيدين، وتبقى أسواق تجارتهم رائجة فيكون تصريف البضائع والمسروقات فيها سهولة كبيرة بالنسبة إلى السارق، فالتاجر لا يسأل عن مصدر تلك البضائع ما يؤدي إلى عودة السارق مرة أخرى ببضائع جديدة، تلك التي يشتريها التاجر بأبخس الأثمان ثم يبيعها إلى تاجر آخر بسعر جيد، وتنتقل تلك البضائع إلى خارج مدينة حلب المحررة، فتباع في مناطق النظام بسعر كبير نسبياً أو لتذهب تلك البضائع إلى مناطق الدولة الإسلامية، وهذا التصرف يؤدي إلى إفراغ مدينة حلب المحررة من محتوياتها من الأدوات المنزلية كالكهربائيات والمفروشات، وأيضاً تفريغ المعامل والورش من الماكينات الصناعية التي إن فقدناها ربما لا نراها مرة أخرى، فتلك المعامل والورش الكثيرة التي كنَّا نفتخر بها والتي كانت تعزف لحن الحياة سوف تتوقف عن الغناء وسوف نفقد شهرتنا بالصناعة في مدينة حلب خاصة في ظل هذه الظروف التي نحن بأمس الحاجة إليها، وبذلك نفقد اليد العاملة المرتبطة بها ولا تعود تلك الأيدي إلى العمل من جديد، ونكون قد خسرنا مرتين ولم نساهم في تشجيع عودة النازحين إلى المشاركة في الإعمار مرة أخرى.وللاقتراب أكثر من هذه المشكلة قامت (صحيفة حبر) بسؤال الناس في الشارع. هل كثرتْ ظاهرة السرقات في الآونة الأخيرة أو قلَّتْ ولماذا برأيك؟يقول أبو عامر: “للأسف كثرتْ حالات السرقة لقلة الرقابة ولا يوجد شرطة تلقي القبض على اللصوص المسلحين في معظم الأوقات.الحل برأيي أن تكون هناك دوريات ليلية مسلحة، وأن تكون عقوبة السارق رادعة”وكانت معظم الإجابات تقول بكثرة السرقة ومياعة الأحكام التي تصدر بحق السارق، يقول “أبو أحمد الأغا” رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:”إنَّ معظم حالات السرقة تكون من أشخاص وعصابات تنسب نفسها للجيش الحر بصفة عامة وعندما يلاحق هؤلاء الفاسدون نتيجة كثرة الشكاوى عليهم يتركون فصيلهم وينضمون إلى فصيل آخر كي لا يحاسبوا عن تصرفاتهم السابقة، ونحن بدورنا كهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تأتي إلينا شكاوٍ كثيرة فنجمع المعلومات والشهادات عن التجاوزات ونقدم هذه الشكاوى إلى قيادة الفصيل المسيء لكي يحاسب المسيئين عنده، لكن كثرة المحاكم التابعة لفصائل معينة تشكل عائقا في ذلك، فيجب حلّ جميع المحاكم وإنشاء محكمة واحدة لا تتبع لأي فصيل وتحكم بما أنزل الله”ولقد توجهنا إلى قيادة الشرطة الحرة لنسأل ضابط الارتباط “الرائد عبد الناصر” ما هي الإجراءات المتخذة عندكم للحد من ظاهرة السرقات، وكم يبقى السارق عندكم، ولمن تسلموه بعد التحقيق معه؟”حالياً تخرج دوريات راجلة ومحمولة ونستقبل شكاوٍ وإخباريات من المواطنين عن وجود أشخاص مشبوهين أو سماع أصوات من المنازل غير المأهولة، وتعمل الشرطة الحرَّة على القبض على السارقين، أمَّا بالنسبة إلى المشتبه بهم يتم التحقيق معهم في مركز الشرطة الذي قَبض عليه، ثم يُسلَّم إلى أقرب محكمة، فإن كان في المناطق الغربية يسلم إلى محكمة نور الدين زنكي أو القضاء الموحد، أمَّا إن كان في المناطق الشرقية فنسلمه إلى المحكمة الشرعية، أمَّا إن كان هناك طرف عسكري فيسلم إلى الشرطة العسكرية ولا يبقى عندنا أكثر من ثلاثة أيام”يرى معظم الناس في المناطق المحررة أن السرقات تكثر وتنتشر، والشرطة الحرة لا تحرك ساكناً، ويقول آخر بأنَّ هناك محاباة مع بعض السارقين إن كانوا أفراداً من بعض الفصائل الثورية غير المنضبطة، ما رأيك بذلك؟نحن نعمل حسب إمكاناتنا وهناك مشكلة في قلة العناصر من أفراد الشرطة، أمَّا بالنسبة إلى المحاباة فثمَّة تصرفات شخصية مثل قريب أحد العناصر وأحياناً شخص يمثل كتيبة وبعض الأحيان نضع الفصيل بالصورة وبعضهم يتقبل الموضوع وبصدر رحب.كيف تقيِّمون عمل الشرطة الحرة في الحد من ظاهرة السرقات؟ظاهرة السرقة ظاهرة كبيرة في بعض المناطق بسبب نزوح الأهالي الكبير، والشرطة لوحدها -وبهذا العدد المحدود-عاجزة عن ضبط هذه الظاهرة بشكل كامل، لكننا نتحرك فوراً عن طريق التبليغ المباشر، ويتم التعامل مع الحالة مباشرة، ومن خلال مساعدة المواطنين ومجالس الأحياء”والتقينا أيضاً مع القاضي الشرعي “أبو مخلص” النائب العام في المحكمة الشرعية، وكانت الحوار الآتي:يقول مواطن: إنَّ المناطق التي طُبق فيها حدُّ السرقة لم يعد فيها حالات سرقة أليس هذا دليل على أنَّ السرقة لن تتوقف إلَّا إذا طبق حدَّها؟”لا شكَّ أنَّ الله الذي شرع قطع اليد للسارق هو أدرى بما يصلح العباد، لكن التزامنا بالشرع لا يعني أن نأخذ جانبًا ونهمل الجانب الآخر، فلو كان هناك خليفة أو دولة مستقرة لطبق الحد ولقطعت اليد، أمَّا بالنسبة إلى المناطق التي يطبَّق فيها الحد والتي يوجد فيها أمان فليس السبب هو تطبيق الحدود ربما هناك أسباب أخرى من كفاية الناس وبقائهم في ديارهم فليس هناك بيوت فارغة حتى تسرق.ما هي الإجراءات التي تتخذها المحكمة الشرعية للحد من ظاهرة السرقات؟ التشديد بالأحكام في حال العودة إلى السرقة كإجراء جديد ومفيد في هذا الأمر، فالسارق إذا لم يجد من يصرف له بضائعه فإنَّه سوف يتوقف عن السرقة بعد حين، وهذا الأمر انتهينا منه تماماً، فقد صدر قرار صارم بمنع إخراج أي شيء من المناطق المحررة ما لم يكن مصنعًا في مناطقنا أو منتجًا من عندنا وهذا يشجع الناس التي تعمل في مناطق الثوار ويسمح بنقل الحاجات الشخصية، أمَّا بالنسبة إلى موضوع تفكيك المعامل و إخراجها إلى خارج المناطق المحررة في حلب فقد عملنا على هذا الموضوع منذ سنة تقريباً والآن أثمرت الجهود والآن يمنع إخراج أي معمل، كفانا استنزافا للمعامل الصناعية، ولن تخرج مواد أولية أيضاً، فنحن إن بقينا على ما نحن عليه ستغدو مناطقنا فقيرة بعد فترة قصيرة، و سنضطر إلى استيراد أبسط الأشياء من دول الجوار أو من عند النظام.ماهية العقوبة التي تتخذونها بحق السارق، وهل هي رادعة؟بالنسبة إلى العقوبة بحق السارق نردُّه إلى القاضي الذي ينظر بدوره إلى حجم المسروقات ويصدر حكماً ولا يوجد شيء محدد، أمَّا بالنسبة إلى حدِّ قطع اليد فلا تقام الحدود في زمن الحرب، ومع ذلك نتواصل مع العلماء الشرعيين ونسألهم عن رأيهم الشرعي في هذا الموضوع ولا مانع عندنا من تطبيق الحدِّ، لكن كل الأقوال والفتاوى التي وصلتنا تقول لا يجوز ذلك”بعد كل هذه المقابلات واللقاءات كان لا بدَّ من سؤال الشرع الحنيف عن جواب كان فيه تفاوت كبير في الإجابات وهو (هل تقام الحدود في ظروفنا هذه أو لا) وقد أجاب فضيلة الشيخ “تميم الحلبي” قائلاً: “ينبغي على الأمة إقامة الحدود حفاظاً على مصالح العباد ودرءاً للمفاسد الحاصلة بتعطيل الحدود، لذا ورد في الحديث الذي حسَّنه الألباني كمجموع طرحه: (حدٌّ يقام في الأرض خير من مطر أربعين صباحاً) رواه أحمد وغيره إلَّا أَّن المانعين من إقامة الحدود في الوقت الحالي إنَّما يحتجون بعدة موانع لا أراها صالحة للاحتجاج، فالحدُّ يجب إقامته بكلِّ حال كما ورد في مراسيل أبي داوود: (أقيموا الحدود في السفر والحضر على البعيد والقريب ولا تبالوا في الله لومه لائم) ومن هذه الأعذار أن َّالحدود لا تقام في دار الحرب ونحن الآن في دار حرب وأنَّ الناس في فاقة وفقر وقد أوقف عمر بن الخطاب حدَّ السرقة عام الرمادة، إلى غير ذلك من الأعذار كعدم وجود إمام تجتمع عليه كلمة المسلمين، وبهذا يبيحون تعطيل الحدود ممَّا يؤدي إلى انتشار السرقات وشيوع الفواحش (كالزنا، وتعاطي المنكرات، وانتشار الرذيلة بين أفراد الأمة) فتكثر المعاصي ويتأخر النصر عن الأمة والحق الذي ينبغي أن يقال أنَّ هناك خلطاً بين دار الحرب والأرض التي تشتعل فيها الحرب، فأرض الحرب هي نوع من أنواع دار الكفر فدار الكفر نوعان: دار حرب، ودار أمان، ودار الحرب: هي الدار التي يغلب عليها الكافرون وبينها وبين دار الإسلام حرب قائمة، والفقهاء عندما يقولون لا تقام الحدود في دار الحرب إنَّما يعنون تلك الدار التي لا سلطة للإمام عليها، فهي خارجة عن سلطة المسلمين وإمامهم، أمَّا عدم إقامة الحدود في الحرب فيرى العلماء بها حالة الحرب أو ما نص عليه العلماء (الغزو) لحديث النبي عن قطع الأيدي في الغزو أي أنَّ الإمام لا يقطع يد السارق إذا سرق في المعركة بل يؤخر إقامة الحد إلى حين رجوعه إلى البلد وانتهاء المعركة لكن لا يُترك الحدُّ إنَّما يؤخر كيلا يلحق المحدود بدار الحرب أو بجيش الكفار فتحصل فتنة ومفسدة عظيمة بذلك، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالمصلحة تقتضي تأخير إقامة الحد وليس الإلغاء، وموضوعنا هو عن إقامة الحدود على مرتكبيها داخل البلد وليس على الجبهات، فغالب السرقات والجرائم إنَّما تتم بين الناس في الداخل ممَّن يعيشون الحياة المدنية، ولا يعامل هؤلاء معاملة الجنود على الجبهات، أمَّا عن شبهة المجاعة والفقر التي تقتضي عدم إقامة الحدود في مثل هذه الظروف اقتداء بسيدنا عمر بن الخطاب عندما ترك قطع يد السارق عام الرمادة فهذا أولاً لا ينحسب إلَّا على حٍّد واحد وهو حدُّ السرقة، أمَّا بقية الحدود كحد الزنا والردة والحرابة وشرب الخمر والقذف فلا علاقة للرخاء المادي أو العجز المادي في منع إقامة هذه الحدود، والحال التي نحن فيها اليوم لم تصل قطعاً في أغلب المناطق المحررة إلى هذه الدرجة من الضرورة مع وجود الفقر وقلة ذات اليد، فالفقر كان منتشراً زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فقد كان رسول الله يقيم حدَّ السرقة في زمنه كما هو معلوم من السنة، فقد قطع يد المرأة المخزومية ويد سارق رواء صفوان، وخطاب الله تعالى بإقامة الأحكام موجه إلى مجموع الأمة قال تعالى ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما).وهكذا يبقى ملف السرقة في المناطق المحتلة مطروحًا متداولًا بين المواطنين الذين يخشون أن يستيقظوا يومًا لا يجدون فيه ممتلكاتهم وأغراضهم، محاولين أن يسمعوا صوتهم الجهات المعنية لتضع إن كان بإمكانها حدًّا لهذه المشكلة التي تنتشر في المجتمع انتشار النار في الهشيم.