محمد نعمة |
بالرغم من أن العملية العسكرية الأخيرة للنظام السوري على إدلب تبدو لصالحه خصوصًا مع مشاركة أربع جيوش ضد المعارضة كما صرحت الولايات المتحدة، إلا أن أسبابًا عدة قد تقلب المعادلة لصالح المعارضة السورية وتركيا.
أولاً: تهديد الأمن القومي التركي
تدرك تركيا أن إدلب أصبحت ملاذ اللاجئين من مهجري الداخل، لذلك عمدت لترسيخ اتفاقات مع الضامن الروسي والإيراني لضمان سلامتها، لكن دعم الضامنين أنفسهم للنظام السوري بحملة قصف دفعت أعدادًا مهولة من المدنيين للتوجه إلى حدود تركيا، مما يعني بالنسبة إلى أنقرة خطرًا على أمنها القومي، بالإضافة إلى مهاجمة النظام عمدًا لنقاط المراقبة التركية أكثر من مرة، لكن النقطة الفاصلة كانت قتل جنود أتراك، مما دفع أنقرة للرد ليس عبر قواعد الاشتباك فحسب، بل عبر دفع تعزيزات عسكرية ضخمة إلى نقاط المراقبة وتشغيل منظومات دفاع جوي وتشويش على الحدود، مما يعني أنها جدية في الدفاع عن نفسها وعن مصالحها في المنطقة.
ثانيًا: إدراك روسيا جدية موقف الأتراك
إن أي خلاف روسي تركي يعني تقاربًا تركياً أمريكيًا، وهذا ما لا تريده روسيا، كما أن تركيا أثبتت أنها جدية في صناعة وحماية المناطق الآمنة لأمريكا في عملية نبع السلام، ورسائل أردوغان لبوتين حول انتهاء اتفاقات آستانة وسوتشي وإطلاق يد المعارضة للدفاع عن نفسها، بالإضافة إلى تهديد تركيا بعملية عسكرية مباشرة في إدلب، قد يجعل روسيا تعيد حساباتها.
ثالثًا: اضطرار أمريكا والغرب لدعم المعارضة وتركيا
الغرب لا شك أنه يخشى اضطرار تركيا لفتح الحدود باتجاه أوروبا أمام آلاف النازحين، مما يعني أن الاتحاد الأوروبي سيمارس ضغطًا سياسيًا على روسيا وإيران لإيقاف المعركة، من جهتها أمريكا أعلنت أنها تقف إلى جانب حليفتها في الناتو، فهي تعلم أن معركة المعارضة في إدلب هي معركة تستفيد منها ضد إيران وروسيا عدواها الكلاسيكيين، كما أنها سوف تستفيد من التفاف تركيا عن اتفاقياتها مع روسيا في حال تصعيد الخلاف بينهما خصوصًا توقف صفقات السلاح بين البلدين.
رابعًا: المعارضة ودورها
بدأت تعلم المعارضة حجم المخاطر، مما سيدفعها لمزيد من الاتحاد، حيث شهدنا في الأيام الماضية دخول الجيش الوطني بشكل جدي على خط المعارك وفتح معارك في حلب وريفها للرد على هجوم النظام، ولا شك أن الوضع ليس كما يجب لكن مزيدًا من التهديد لوجود المعارضة ككل يعني أنها سوف تضطر للدفاع عن نفسها وتوحدها ووضع كل ثقلها العسكري والبشري إذا أرادت الاستفادة من دروس الخسارة في المعارك السابقة.
خامسًا حجم الكارثة الإنسانية
أخذت روسيا فيتو لتقليل وصول المساعدات لإدلب مباشرة واشترطت وصولها عبر دمشق، لكن ثمة أزمة لاجئين جديدة وأعداد القتلى والجرحى يرتفع كل يوم، في إدلب منظمات إنسانية دولية ومحلية تسعى لإيصال الصورة، كما أن عين الإعلام العالمي على المجزرة، وبالرغم من أن الموقف الدولي حتى اليوم لم يتعدَّ التعاطف في أحسن الأحوال، إلا أن تعطيل الأمم المتحدة لن يستمر؛ لأنها لن تستطيع هذه المرة القيام بعمليات إنقاذ إذا سيطر النظام على المنطقة، هذا بالإضافة إلى تخوف العالم من اضطرار النظام لاستخدام السلاح الكيماوي إذا شعر أن قواته تستنزف بلا فائدة.
سادسًا استمرار معركة إدلب يعني تقويض العملية السياسية
رغم تسليم العالم بوضع سورية الراهن، إلا أن ثقل الأزمة السورية بتفرعاتها يدفعهم دائمًا للتعويل على الحل السياسي لإنهاء الأزمة، خصوصًا مشروع الأمم المتحدة ومبعوثها (غير بيدرسون) حول عمل اللجنة الدستورية الذي حظي باتفاق ودعم دولي حتى من قِبل حلفاء الأسد، لكن عملًا عسكريًا همجيًا على إدلب بحجج الإرهاب والسيطرة على الطرق الدولية يعني أن أي عملية سياسية لم يعد لها قيمة، فلا شيء سوف يدعو الأسد وحلفاءه لطاولة المفاوضات إذا حسم الأمر عسكريًا.
أخيرًا فإن بوادر قلب المعادلة يبدو أنها بدأت عند كسر النظام على تخوم سراقب وردعه عنها، وأخذ زمام المبادرة بتنفيذ هجمات ذات فعالية مع تغطية نارية من المدفعية التركية على نقاط النظام، خاصة أن تركيا أدخلت العديد من الآليات والذخائر خلال الأيام الماضية.