محمد نعمة |
تفاجأ سكان ريف حلب الشمالي الخاضع لحماية الضامن التركي بعد عملية درع الفرات، يوم الإثنين الماضي 26/11 بغارات شنتها طائرات مجهولة المصدر في البداية، على معامل محلية لتكرير النفط تُعرف محليًا باسم (الحراقات) بالقرب من مدينة الباب، ما سبب انفجارات وُصفت بالمرعبة راح ضحيتها ثلاثة مدنيين والعديد من الجرحى.
في البداية توجهت آراء الناشطين نحو ضلوع روسيا بالقصف، وروسيا بدورها اتهمت الولايات المتحدة كونها نصَّبت نفسها حامي النفط ومالكه في المنطقة، ممَّا دفع التحالف الذي ترأسه الولايات المتحدة لنفي تنفيذ غارات على منطقة درع الفرات حين وقوع القصف.
أطراف دولية كبرى ذات يد طولى في المنطقة تتراشق التهم حول القصف، لكن من كان يتوقع أن يتبنى النظام السوري تلك الغارات؟!
إن التفاهمات الدولية حول الشمال السوري ترسخت من خلال عشرات الاجتماعات بين سوتشي و آستانة و إسطنبول، سعت من خلالها تركيا لإقناع الأطراف الدولية ذات الشأن بشرعية عملياتها العسكرية ضد الإرهاب سواء قسد أو داعش، أما الأسد فلم يتجرأ سابقًا على خرق الاتفاق والتعدي على منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون؛ لأن روسيا لم تعترض بشكل مباشر بل أيدت غير مرة محاربة تركيا للإرهاب، كل ذلك خلق توازنًا جعل منطقة درع الفرات تنعم بهدوء نسبي كونها لم تتعرض منذ عامين للقصف من قبل النظام الذي أعلن أنه لن يرضى بما أسماه الاحتلال التركي للمنطقة.
لكن كيف تجرأ الأسد على دخول منطقة تعتبر محرمة على قواته الجوية منذ عامين؟ النظام ظامئ لأجل النفط، وفي المقابل روسيا تبحث عن حصتها من نفط شرق الفرات الذي استأثرت به أمريكا وحدها، لذلك ثمة ضوء أخضر من قبل روسيا لأجل القصف الذي حمل رسائل عدة، وسط صمت تركي وعدم إصدار أي تعليق، فما السبب؟
إن تركيا في النهاية تلعب دور المراقب والضامن، ولن تخرب علاقاتها الإستراتيجية مع روسيا لأجل النفط وطريقة محاصصته في سورية، فالرئيس التركي كان قد أعلن عن حصة عرضت على تركيا من النفط السوري لكنه رفض، إن هذا الإعلان لوحده قد يجعل بوتين غاضبًا، لأنه لم يتلقَ عرضًا بمثل تلك الحصة التي لو عُرضت عليه ما كان ليرفضها وهو الذي استثمر في الأزمة السورية ليسيطر على كل موارد سورية، بدءًا من الجيش و مقراته والموانئ المهمة؛ وليس انتهاءً بالثروات الباطنية التي كانت ستوفر دعمًا غير محدود للشركات الروسية الداعمة لحكم بوتين في روسيا، مما دفعه للرد عبر الوكيل في دمشق، ولماذا لا يوافق الأسد على شن مثل هكذا غارات وهو يتمنى الفرصة لكي يوصل رسالة مزدوجة، إحداها للمعارضة بأنهم لن ينعموا بالأمان في أي منطقة في سورية وسيزيد معاناتهم بالمحروقات لتأجيج الوضع الداخلي رغم سوءه، ورسالة لتركيا التي يصنفها الأسد عدوه الأول كاستعراض قوة، كأنه يريد أن يقول: إن لم يكن لدينا نفط في مناطق سيطرة الحكومة فلن يكون لديكم نفط أيضًا في مناطق المعارضة.
بالإضافة إلى أن كل من الأسد وبتوين لن يتوقعا بالتأكيد أي رد أمريكي لأي عملية عسكرية في منطقة لا تحميها قوات التحالف بشكل مباشر، فلطالما استخدم النظام طاقاته النارية المدمرة ضد مناطق المعارضة ولم يجد أي رد جدي يذكر خاصة من قِبل تركيا التي هي أولى بالرد من أمريكا.
وربما كانت هذه العملية من صالح أمريكا أصلاً؛ لأن ذلك الخام الذي تفجر بالقصف ليلة الإثنين لم يخرج برخصة أمريكية.
رسائل هنا وهنالك تتراشقها الدول على حساب توفر مشتقات النفط في الشمال السوري، هنالك من يشعر أن ثمة لعبة تلعب، إذ ليس من المنطقي أن تقصف معامل التكرير دون أي رد يُذكر، ومن ثم يقطع الطريق الواصل بين المنطقة ومنبج، ممَّا يعني انقطاع النفط الخام عن الشمال السوري. وأخيرًا النفط العراقي يتوفر في المنطقة بسعر جديد وأغلى من السعر السابق، ثمن سيدفعه المواطن السوري الذي بدأ يعاني من برد الشتاء فضلاً عن دخول الوقود في كل مفاصل الحياة.