فشلت الجولة الثانية لمحادثات اللجنة الدستورية، وانتهت دون تحديد أي جدول أعمال بعد أن استطاع النظام تضييع الوقت بالمزودات التشبيحية.
يريد النظام من المعارضة أن تتعامل معه كأنه الممثل الشرعي للدولة السورية وليس طرفًا من إطراف النزاع، ويطالبها بناءً على ذلك بالاعتراف بثوابته التي تجعل عمل اللجنة بمجمله، لو تمّ الاعتراف بها، ضرباً من اللهو السياسي الذي لا قيمة لنتائجه، وستصبح الصورة الكاملة لهذه اللجنة كأنها تحالف في وجه الشعب، وليست من أجل حماية حقوق الشعب التي ضحى من أجلها طيلة تسع سنوات ماضية.
لا يريد النظام أن يفهم أن المجتمع الدولي لو وجد من هو أقذر منه لقضي عليه منذ زمن، وأن جميع المعارضين باستثناء (معارضة دمشق التي هجَّنها النظام) مهما اختلفوا لن يخونوا الشعب السوري ويخضعوا لسلطة الاستبداد والقتل التي ستطالهم لو فعلوا ذلك.
لا يوجد أحمق في سورية (باستثناء النظام) سيعتبر كل السوريين إرهابيين؛ لأنهم لم يخضعوا لدولته، وإلا إذا كانوا كذلك فلماذا تعقد المفاوضات أصلاً، ولماذا نعمل على تغيير الدستور؟
ليست مشكلة النظام السوري هي الدستور، كما أنها حقيقية ليست مشكلتنا نحن في الجهة الأخرى، يستطيع النظام كتابة أفضل الدساتير بمفرده، ولكن لن يطبقها، والدساتير التي مرت على سورية في ظل حكمه ليست سيئة بمجملها، ولكن السيء دائماً كان نظام القتل الذي يطبق دستوره الأمني بعيداً عن كل النصوص المكتوبة.
مشكلة النظام مع اللجنة الدستورية هي مشكلة الاعتراف بأطراف أخرى ستصيغ نصوصاً تحت رعاية أممية، ستجبره لاحقاً لو حدث ذلك على التعامل مع معارضيه كفرقاء، وليس كأعداء يجب استئصالهم أينما وجدوا بحسب اللغة الأمنية الوحيدة التي يفهمها النظام ويحمي بها حكمه.
سيحاول النظام لتجنب هذه المرحلة ألَّا يخطو أي خطوة جدية، وستشهد الجولات القادمة، إن حدثت، فنونًا جديدة لتضييع الوقت إلا إذا أجبر الروس وفد النظام على العمل لحماية مصالحهم والبدء بإعادة الإعمار، التي يرى الروس اللجنة الدستورية أحد أهم أبوابها التي ستوفر لهم الكثير من المال في سورية.
ومن غير ضغط روسي مباشر لن يحدث أي شيء، ومع وجود هذا الضغط سيراوغ النظام كثيراً للتملص وسيحاول الزحف على الأرض من أجل إحباط أعمال اللجنة بشكل كامل، وهو ما يجب أن تنتبه له المعارضة، وأن تعمل على إيجاد دعم دولي لوقف إطلاق النار أو مساعدة الناس للصمود والدفاع عن أنفسهم. وما مجزرة قاح إلا رسالة في هذا الصدد، وسيكون القتل العشوائي هو المرحلة القادمة إذا لم يتمكن النظام من التقدم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي