بقلم : إسماعيل المطيرمما لا شك فيه أن مدينة حلب تتبوأ مكانة هامة في سورية، كونها ثاني أكبر المدن السورية، إضافة لكونها العاصمة الاقتصادية الفعلية للبلاد، لذلك فإن المسيطر عليها لا بد أن يمتلك زمام المبادرة على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية.والمراقب لما يجري خلال الحرب الدائرة بين الثوار والنظام لا بد أن يلاحظ اهتمام النظام بالسيطرة على المدن الرئيسة وعدم اكتراثه بالأرياف إلا في حال وقوعها على خطوط الإمداد والطرق الدولية، فالنظام يسيطر مثلاً على مدينة حمص ولا يكترث بالريف المجاور لها، لكنه في الوقت ذاته خاض -بمساندة ميليشياته الشيعية- معارك طاحنة للسيطرة على مدينة القصير ذات الموقع الهام قرب الحدود السورية اللبنانية.ويسيطر أيضاً على مدينة إدلب ويغفل ما تبقى من ريفها، ماعدا بعض المدن والقرى الواقعة على الطريق الدولي بين حلب واللاذقية كأريحا ومحمبل، إضافة إلى بعض القرى المجاورة لمعسكري الحامدية ووادي الضيف.وفي محافظة حلب شن سلسلة معارك شرسة تمكن في نهايتها من السيطرة على خط الإمداد الممتد من حماة حتى خناصر وصولاً إلى مدينة السفيرة ذات الموقع الهام الملاصق لمعامل الدفاع، وبذلك فتح طريق الإمداد بشكل تام نحو الجزء الذي يسيطر عليه من مدينة حلب.تقدم النظام الملحوظ في محافظة حلب خلال عام ٢٠١٤ جاء نتيجة استهانة الثوار وضعف إدراكهم للأبعاد الاستراتيجية لمعاركهم مع النظام، الأمر الذي ألقى بظلال التفرقة الثقيلة على فصائلهم، فاختلفت غاياتهم وأهدافهم، وتمكن النظام بذلك من السيطرة على اللواء ٨٠ ثم المدينة الصناعية وفتح طريقه إلى السجن المركزي الذي كان على وشك السقوط بيد الثوار، ونقل معاركه بعد ذلك محاولاً السيطرة على طريق الكاستيلو من أجل إطباق الحصار على حلب والاقتراب من منطقتي نبل والزهراء الشيعيتين مسافة لا تتعدى بضع كيلومترات.خسارة الثوار لسلسلة مناطق متجاورة ذات أهمية بالنسبة لحلب، جعلهم في حالة من التراجع والتقهقر المستمر أمام قوات النظام، فأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الوقوع تحت الحصار وخسارة المدينة فيما بعد، وغبي من يعتقد أن الحصار -فيما لو تم-سينتهي بشكل مماثل لما حصل في حمص، نظراً لاختلاف الطبيعة بين سكان المدينتين، فمدينة حمص كانت من أولى المدن التي ثارت في وجه النظام، بعكس حلب التي تأخرت كثيراً إلى أن دخلها ثوار ريفها وحرروا جزءاً كبيراً منها.وفي الوقت الحالي فإن أكثر ثوار الريف -وخاصة الشمالي-مشغولون بقتال “الدولة الإسلامية” دفاعاً عن مناطقهم، في الوقت الذي تعج فيه حلب بالخلايا النائمة، التي ستلعب دوراً كبيراً خلال الحصار الذي بوقوعه سيكون النظام قد ضرب سرباً من العصافير بحجر واحد وحقق عدة أهداف منها:الأول: السيطرة على حلب أو خنق الثورة فيها على أقل تقدير، وتأمين مناطق سيطرته فيها، والتي تقع فيها غالبية مؤسساته الحكومية، ليكون بذلك قد حقق نصراً إضافياً على الصعيد السياسي يمكنه من الضغط دولياً كونه سيظهر بصورة المنتصر المسيطر على المدن الرئيسة.الثاني: فك الحصار عن منطقتي نبل والزهراء الشيعيتين، وتحقيق الرغبة الإيرانية، مما سيمده بأعداد جديدة من الشبيحة.الثالث: رفع الروح المعنوية عند جنوده ودفعهم للعمل بشكل أكبر للقضاء على الثورة.الرابع: جعل حلب مركزاً ومنطلقاً لحملاته العسكرية التالية نحو الريفين الغربي والشمالي، بهدف قطع طرق الإمداد والدعم اللوجستي القادمة من تركيا، ويكون بذلك قد أطبق بيديه على عنق الثورة في الشمال السوري.لم يبق اليوم لمدينة حلب سوى شريان واحد يصلها بريفها، وهو طريق الكاستيلو شبه المرصود من قوات النظام ولا حل لدرء خطر الحصار الوشيك سوى توحد الثوار تحت راية واحدة وقيادة واحدة، مع إدراكهم ثقل الأمانة المعلقة في أعناقهم، وإدراكهم أكثر من ذلك أهمية المناطق التي يسيطرون عليها، وإلا … فعلى الثورة السلام.