بلمسة واحدة على كلمة (مسح) تمحى جميع الكلمات المكتوبة والأصوات المسجلة والصور المتبادلة. قبل شهر أو أسبوع أو أيام كانت تلك الحروف والكلمات مليئة بالمعنى، وكان يعاد قراءتها مرات ومرات، وبعض مقاطع الصوت تم حفظها غيبا من كثرة تكرارها، وكثير من الصور تم تكبيرها لتظهر بوضوح ملامح الوجه ولغة العيون.
ولكن اليوم صباحا ظهر مربع صغير في وسط شاشة الجوال فيه عبارة مزعجة (تم إيقاف الوتساب)
لا شك أن الجوال مليء بالصور والمقاطع الصوتية والدردشات المكتوبة بكثير من الكلمات العامية، ولا شك أنه يحتاج لتأهيل جديد بموجبه يتم حذف ونسيان المحتوى كاملا، وهنا يظهر مربع آخر للتأكيد.
(هل تريد حقا مسح الرسائل من هذه الدردشة ؟! وإذا كان الجواب نعم، فقط المس بلطف كلمة (مسح) حينها تختفي كل الكلمات والأصوات والصور وتموت معها كل المشاعر والأحاسيس الحلوة والمرة المرافقة للدردشة الإلكترونية!!
أحدهم قال: تموت الكلمات وتبقى المشاعر، لكن عالمنا السريع المعاصر لا يعبأ كثيرا بمشاعرنا.
كان أبي سابقا يحتفظ بالرسائل الورقية التي كانت تصلنا عبر البريد من عمي المغترب في السعودية، وذلك قبل اختراع الإيميل وقبل ظهور برامج التواصل الاجتماعي.
وكان أبي يطوي الرسائل الورقية من وسطها ويحزمها كباقة ورد بقطعة مطاطية تحيط بالكلمات والذكريات والمشاعر معا، ثم يودعها في درجه الخاص المزود بقفل.
اليوم لا أحد يكترث بحفظ الرسائل التي تصلنا على مدار الساعة من مغتربين ومقيمين، من أقرباء وأصدقاء، بعيدين وقريبين، لعل السبب هو كثرة التواصل وسهولته ومجانيته تقريبا، وربما لأننا أصبحنا بلا مشاعر حقيقية من فوضى الحياة وكثرة الدمار وموت القلوب.
شيء مؤلم أن تُمحى بلمسة واحدة مجموعةٌ كبيرة من الكلمات تحمل أفكاراً وأوجاعاً وآمالاً وأحلاماً! من الممكن الإبقاء على الرسائل المميزة بنجمة! حسنا، ويمكن أيضا اختيار بعض الرسائل وتخزينها في ذاكرة أخرى مرتبطة بالجهاز، لكن المشكلة ليست هنا، فالطامة الكبرى أن تفقد الجوال بسبب حادث ما فيكسر أو يضيع، وفي حال تم اختراق كلمة المرور فأنت، ياعزيزي، عرضة للابتزاز أو التشهير فيما إذا احتوى جهازك على مقاطع خاصة للغاية.
لذلك يحرص الكثيرون من مستخدمي برامج التواصل الاجتماعي على حذف الدردشات والصور وغيرها من أجهزتهم الذكية، ممَّا يسبب لهم إزعاجاً أو ربما فضيحة في حال ضياع الجوال أو وقوعه في يد قريبة كيد الزوجة التي تعرف كلمة المرور، فتبحث في أسرار زوجها النائم كما يفعل هو حين تنام زوجته أو تتظاهر بالنوم، وبغض النظر عن الدوافع وراء كشف المستور فإن ذلك الفعل لا يخرج عن دائرة التجسس الذي نهى عنه الإسلام وحرمه نظراً لما يسببه من غصات وجروح قد لا تندمل.
بالمقابل يخترق (جوجل) خصوصيتنا رغما عنا، يراقب كل تحركاتنا ويكاد يقرأ أفكارنا! وبذلك نخرج مرغمين من قفص الحماية الذاتية وتبدو أوراقنا في يد الجميع ولا بد في حياتنا من زاوية مخفية تشبه الجانب الأعلى المطوي في ورقة الامتحان.
البعض لا تتوقف أصابعه عن لمس حروف الجوال والكتابة بمعنى ودون معنى، وهناك من هو مصاب بهوس (السيلفي) ونشر صوره أو صورها دون مراعاة مشاعر الآخرين!!
لكل بيئة اجتماعية أخلاقها وعاداتها في التعامل مع الأشخاص والأشياء، وأعتقد أننا نمتلك قدراً كافياً من الخلق والدين بحيث نتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي وفق مبدأ قيمي، وتعتبر دولنا العربية والإسلامية دولاً تكاد تخلو فيها جرائم الإنترنت أو ما يسمى بالجرائم الإلكترونية!