“سأخبرُكم سراً لا يعلمُه سوى بعضُ المقربينَ مني، وهوَ أنني في أغلبِ لوحاتي الحزينة أضيفُ بعضًا من دموعي للألوان لأمدّدها وأمزجَها بها حينها أشعر أنَّ اللوحةَ باتت جزءاً مني وأنّي حقاً لستُ أكثرَ من مجموعةِ مشاعرَ أوجزءٍ من تلك الألوانِ” كلماتٌ باحتْ منتهى سلاّت في لقاءٍ لها مع صحيفة حبر.
مُنتهى سلّات فنانةٌ تشكيليّة وشاعرةٌ من سوريا /إدلب بنش مواليد ١٩٧٥ تدرسُ في جامعة المدينة العالمية في ماليزيا قسم اللغة العربية وآدابها، وخريجة معهدِ إعداد المدرسين قسم التصوير الزيتي لعام 1996، تعملُ (منتهى) حاليًا كمدرّسةٍ لمادة التربية الفنية منذ سبعة عشر عاماً وماتزال على رأس عملها في قطر.
الموادُ والألوانُ والأمل
في بداية مسيرتها الفنية استخدمتْ منتهى الألوان الزيتية لكن بعد هجرتها لبيتها ووطنها مع انطلاقةِ الثورة السورية الذي لم يكن بيتها الصغير يسمح لها باستخدام تلك الألوان نظراً لرائحتها الحادة التي قد تؤدي لحساسيةٍ في الصدر إذا ما استُخدِمت في مساحةٍ مغلقةٍ عندها اكتشفتُ جمالية استخدام ومرونة الاكريليك وقد أضفت إليها أشياءَ جديدةً وزيوتاً خاصة تزيد من مرونتها ولمعانها.
أما عن اللون الأكثر استخدامًا في لوحاتها فهو اللون الأصفر، فدائماً تهرب إليه في زاوية ما من لوحاتها ربما لأنه يضفي بعض الحيويةِ والأمل في لوحاتها.
التقنيات الحديثة وأثرها على الحس الإنساني في اللوحات
وشرحت منتهى أنَّ استخدام تقنية برامج الكومبيوتر كالفوتوشوب مثلاً في إنجاز لوحةٍ ما تطرح فكرة بحد ذاتها، ويعتبر هذا نوعاً خاصاً من الفن لكنه بعيدٌ كل البعد عن الفن التشكيلي الذي يلامس روح الفنان ويتعلق بذاته وبشغف أفكاره وعواطفه.
أما بالنسبة لـ (منتهى) فهي لا تستخدم الفوتوشوب في تصميمِ لوحاتها مطلقاً حيث تقوم بتصويرِ لوحاتها بالكاميرا العادية وتكتب عليها اسمها أو تقوم بوضع اللوغو الخاص بها على هذه اللوحات لحمايتها من السرقة.
ناهيك أنه لا يمكنها أن تحلق في فضاء إبداعاتها دون الاستماع للموسيقا سواء في كتابة الشعر أو في الرسم فهي ثلاثية غارقة بالألفة لديها، ففي حضور الموسيقا يحضر إليها كل جمال الكون فتتناسق الألوان والكلمات على خامة الروح كما تشاء، حسب وصفها.
الألوان والفرشاة سلاحٌ فعال
اللونُ سلاحٌ أمضى من البندقية إنْ هو وُجّهَ بشكلٍ صحيح ويحمل رسالةً نبيلة كذلك هو الحرف وخاصة في هذه الظروف العصيبة التي يمر بها وطني الحبيب سوريا، حول هذا أوضحت منتهى: “طالما أنّ قضيتنا الوطنية ماتزال مفتوحة فلدي سلاحان لا أتخلى عنهما: الحرف، واللون أحمل من خلالهما رسائل السلام والحق والحرية والجمال والعتب والإنسانية لكلّ العالم”.
وتابعت: “أحاولُ من خلال لوحاتي أو قصائدي مخاطبة الفقراء والمظلومين لأقول لهم إني معكم كما أتوجه أيضًا لمخاطبة المجرمين والظلّام لأقول لهم إني ضدكم وأحاربكم أينما كنتم وسأرسم وأرسم حتى تنتهي الديكتاتورية، وكذلك أخاطب في لوحاتي وقصائدي الرماديين الصامتين المتفرجين على أطلال القتل والدمار في وطنهم لأقول لهم صمتكم يقتلنا ولأحثهم على قول الحق لنصرة الانسانية والوصول للحضارة في أبهى معانيها”.
أثر الثورة على الفن
رغم محاربة النظام السوري للفنانين والمثقفين والمبدعين السوريين منذ بداية الثورة إلا أن بعضهم أصرّ على حمل قضية شعبه فكان قلمًا أو ريشة مغمّسة بالدم لأن الفنانين من أصحاب الرأي ولهم متابعيهم وأدواتهم منافسة لعصا السلطة التي لم ترسم حدودًا لحرياتهم وإبداعاتهم فحسب بل انتهى بعضهم بالقتل أو الاعتقال أو النفي.
وضعت الثورة السورية أولئك أمام مسؤوليةٍ كبيرة اختبرت فيها مدى عمق التزامهم مع معاناة أهاليهم في داخل سوريا وخارجها، وماتزال الثورة مصدر إلهامٍ كبير للفنان الملتزم الذي ينبغي عليه أن يختار إمّا الوقوف إلى جانبها أو الانحياز للباطل أو الوقوف على الحياد، أما (منتهى) لم يكن لديها سوى خيار واحد استعدت أن تفني حياتها لأجله في سبيل إعلاء كلمة الحق حتى ولو بقيت وحيدة ترسمها وتلونها وتكتبها كما يشتهي شهداء وطنها حسب ما أكدت.
لم تكن (منتهى) تعيش في بنش لكنها رسمت تفاصيل الوطن جدرانه، وحاراته شوارعه، مدارسه، رسمت آلامه وآماله كأنها فيه، فأقامت العديد من المعارض الفردية والجماعية في سوريا ولبنان وتركيا ورسمت في الكثير من المدارس الفنية لكن معظمها كانت من المدرسة الواقعية حيث رصدت بأدقّ التفاصيل مجرياتِ الأحداث في سوريا منذ بداية الثورة وحتى الآن عدا عن حرصها في أن تكون قصائدها الثورية تسير في خط متوازي مع لوحاتها الثورية.
في ختام حديثها وعدت (منتهى) متابعيها من أبناء وطنها بأنها في المستقبل القريب سترسم لوحة بكل الألوان في نهاية الحرب في وطنها، حينها سيكون قد تطهر من الغزاة والأوغاد الذين حولوا سورية لجثة هامدة فلم يبقَ فيها مكانٌ لطعنة سكين، وبما أن (منتهى) تتبع المدرسة الواقعية لا يمكنها حاليًا الرسم بألوان الربيع وسماء بلادها تمطر دمًا تحمله غيوم تشكلت من دخان احتراق المدن الجميلة.
سبعُ سنواتٍ ومازال العالم يشيح بوجهه عن مشاهد القتل والدم في سورية لا يحرك ساكنًا في تلك الصور التي لم تكن رسمًا بألوان زيتية بل كانت صورًا حية من لحم ودم بكل تفاصيلها التي تزداد ألمًا وحزنًا يومًا بعد يوم لكن ألوانها المائية لا تطفئ نار الحرب في الوطن.