طفلنا ليس ككل الأطفال، ربَّما يجري ويركض ويلعب، ربَّما يدرس إن أمكن، ربَّما يهتم بالرسم والموسيقا إن استطاع إليها سبيلا….كنَّا صغارا، وكان للطفولة معنى، كنَّا صغارا لا همّ لنا إلا تلك الفراشة التي تجول في حقلنا ولا أستطيع إمساكها وأعود إلى أمي بخاطر جريح ودموعٍ تملأ وجهي … دمى وألعاب مستديرة، عالمٌ أسكنه بصحبة الأطفال، حلمٌ صغير بأن أصل إلى قرية السنافر، وأن أجد المجرم مع كونن.
تفتت أحلام الطفولة عند أول حادثة في درعا، وتلاشت معانيها بين فكي الكماشة التي كانت تقلع أظافر ذلك الطفل، وانتهت بعد أول رصاصة من تذكرة العبور إلى عالم الخيال. وبين التراب والحطام تسكن ألعاب الأطفال، حيث أخذت موطنا جديدا لها بعد أن لفظتها كل أركان الوطن، قصف وتدمير والضحيةُ دوماً الإرهابيون الصغار …
فأحمد ابن الثانية عشر كان زعيم العصابة وأمير الإرهاب باعتباره الأكبر سناً…فقد انتُشل من تحت الأنقاض وبيده ذراع أمه الذي يعتبر آخر ما تبقى له من نبع الحنان …
وشقيقه ابن السنة كان أحد الناجين الجدد من مجزرة إدلب التي راح ضحيتها قرابة الاثنين وعشرين شهيدا …
أحمد نجا من قصف الطيران الغادر الذي استهدف منزله بصاروخ استقر عل مائدة الغداء …
أحمد فقد أمه ووالده وإخوته، ولكنَّه لم يفقد مصروفه الذي كان يحمله بيده أثناء الانهيار، فقد
كان فرحاً به، وأبى أن يفلته من يده التي كانت تحمله؛ ليعطيه لأبيه الذي لم يعد يملك ما يسد رمق العائلة …
عند انتشاله من تحت الأنقاض كان يحكم قبضته عليه، وحتى عند علاجه أبى أن يفتح يديه، حيث إنَّ كلَّ قوته ركزها بيده الجريحة …
حال أحمد كحال أطفال سوريا في المناطق المحررة، طفل يفارق الحياة ويحضن لعبة ربما سيأخذها معه إلى الجنة …لا ذنب للربيع إن سرقت أزهاره، ولا ذنب للمطر إن جفت غيومه، ولا ذنب للبحر إن طاف موجه، ولا ذنب للطفولة إذ ما شبت نار الحرب، ربما قد حرقت الحرب الكبار والعجَّز، الشيوخ والنساء، الشبان والفتيات، ربما نحزن، وربما نغصُّ أيضاً، ربما نبكي عل الفقدان، ونبكي من هول الطيران، لكن الأطفال يذبحون في اليوم ألف مرة، يأخذون الزوايا عند صفير الإنذار، ويهلعون ويرجفون، وتموت بين الرجفة والأخرى ما تبقى براءة الطفولة ….
لا يحتاج ذاك الطفل المرعوب إلى معونات أو نقود أو كفالات وألعاب، يحتاجُ إلى جلساتٍ في الدعم النفسي، يحتاج إلى مختصين وأصحاب خبرة، يحتاج إلى طرقٍ جديده لتفريغ الشحنات السلبية التي قد لا يفرغها بمئة جلسة.
افتقاد تلك الجلسات في المناطق المحررة أثر سلباً على الأطفال، وزاد من رغبتهم بركب أمواج الحرب والمشاركة بها والانتقام، حيث إنَّ الطفل اليوم لم يعد يكترث للدمية ولا للسيارة، حلمه بأن يقتني السلاح ويخوض غمار الجبهات ويحارب وينتقم.
لم يعد يؤثر به مشهد الدماء، فقد بات أمراً روتينياً أن يرى الأشلاء.
إننا نريد بناء جيل جديد، جيل مقدام يحارب النظام بالفكر والعقل لا السلاح، والمدرسة خيرُ سبيل لذلك، ربما جلسةٌ أسبوعيه أو حصة يومية.
إنَّ وجود خبير واحد في الدعم النفسي في المدرسة ذاتها قد يفي بالغرض، يذكر الطفل بأنَّه طفل مهمته أن يلعب فقط لا أن يحارب …
وإنَّ تدريب كوادر المدرسة على الطرق السليمة للتربية المثالية وتعويض الأطفال عمَّا فقدوه ونصحهم وتذكريهم مراراً بأنهم أطفال، يساعد على إخراجهم من واقعهم الذي يعايشونه صباح مساء.
أطفالنا يستحقون الحياة، ويحبون الألعاب ما استطاعوا إليها سبيلا…
محمد الزير