وفاء عنان |
تراه يجلس أمام باب داره ويلاعب أطفاله ويتجاذب أطراف الحديث مع جيرانه وهم يحتسون الشاي ويجلسون معًا تحت أشعة الشمس طالبًا للدفء.
ذاك هو إبراهيم الذي يجلس بين أطفاله الأربعة ويتلمس وجوههم البريئة التي لم يرها منذ وقت طويل، يلاعبهم ويسرد لهم الحكايات ويعلمهم بعض ما يعرف من مبادئ اللغة العربية.
إبراهيم أبو سليمان من بلدة سيجر من ريف حماة الشمالي مواليد 1984 يبلغ من العمر 34 عامًا متزوج ولديه 4 أطفال نازح من بلدته مقيم في ريف إدلب الجنوبي في قرية الشيخ مصطفى.
تعرض إبراهيم في الخامس عشر من رمضان عام 2016 إلى انفجار لغم أرضي إثر عودته من محله التجاري في خان شيخون أدى إلى بتر ساقيه وفقد البصر كاملاً، وبتر أربعة أصابع من يده اليمنى وإعاقة في اليسرى.
يحكي إبراهيم تفاصيل الحادث فيقول: “انتهيت من العمل قبل أذان المغرب، فركبت سيارتي وعدت إلى منزلي، وفي منتصف الطريق تعرضت لانفجار لغم أرضي مازلت أتذكر تلك اللحظات وأسمع أصوات الناس وسيارات الإسعاف، استيقظت بعدها فلم أعرف أين أنا! ولا أرى أي شيء، كنت أسمع أصوات عائلتي حولي وشخص يقول لقد فقد بصره وبترت ساقاه، صرخت أين أنا؟ جاوبني أخي: أنت في المشفى كانت صدمتي قوية جدًا لكن لم يكن بوسعي إلا أن أنطق (الحمد لله على كل حال) مكثت في المشفى لمدة شهر وبعدها خرجت إلى منزلي برفقة عائلتي.”
يمارس إبراهيم حياته بشكل طبيعي محاولاً إدخال السعادة لعائلته الصغيرة، فيكفيهم مرارة النزوح على حد قوله مضيفًا بكل ثقة: ” زوجتي تعتني بي بشكل كبير، إخوتي وأمي موجودون بجانبي دائمًا”.
يفتخر إبراهيم بأسرته الصغيرة وهو سعيد بزوجته التي يعتبرها نعمة أنعم الله عليه بها فهي من تعوضه إعاقته وتعينه على قضاء حاجته وحاجة أولاده.
بابتسامة تخفي خلفها الكثير من الألم تقول زوجته آمنة: “ابراهيم هو سندي وقوتي، أنا فخورة بوجوده في حياتي، سأبقى بجانبه ما حييت، منه أستمد قوتي ومعه أشعر بالأمان ولا معنى لحياتي دونه”.
آمنة لا تشعر بأن زوجها معاق كما ينظر إليه المجتمع وتحمد الله على بقائه حيًا بينهم.
لم ينطوِ إبراهيم بوجوده مع أسرته فقط، بل إنه قد بنى علاقات طيبة مع محيطه وجيرانه، يزورهم ويتبادلون الأحاديث والقصص، يضحكون ويمزحون.
(أبو خالد) أحد جيرانه يقول: “لا تحلو الجلسات بلا إبراهيم السيجري، كان وما يزال قنديل أمل يضيء حياته وحياتنا، لم يتغير أبدًا بعد إصابته، بل زادت قوته وعزيمته”.
الجديد بالذكر، ما جعل الناس تحترمه أكثر أنه يتوفر لإبراهيم كل ما يحتاج في حياته المادية من عائلته، لكنه يأبى أن يجلس دون عمل أو أن يكون عالة حتى على أقرب الناس له، لذلك يعمل في بيته عملاً بسيطاً يتقاضى منه أجراً يجعله يشعر بقيمته وبأنه إنسان طبيعي، حيث يبيع قرطاسية مدرسية وبعض الحلويات البسيطة لأطفال الحارة التي يقيم فيها.
(محمود) طفل من أطفال الحارة يقول: “أحب العم إبراهيم كثيرًا، فهو يمازحني وهو لطيف مع جميع أصدقائي”.
لربما بعض إصابات الحرب لدى السوريين زادت من حجم إصرارهم وقوتهم وتفاؤلهم لمتابعة مسيرتهم في الحياة.