غسان الجمعة |
البطح أرضاً كانت النتيجة التي حصل عليها بوتين عقب قمة سوتشي في أحد الصالات الرياضية في المدينة خلال محاولته معرفة الحقيقة من خلال هذه الرياضة حسب تصريحه لصحيفة ديلي ميل البريطانية، لكن ماهي نتيجة القمة التي عقدها مع أطراف أستانة الآخرين تركيا و إيران؟
من المعلوم أنَّ القمة سبقها ضجيج إعلامي حول نفاذ صبر روسيا حيال إدلب ومجموعاتها الإرهابية (حسب وصفها) بل اعتُبر هذا اللقاء لقاء حسم ملف إدلب ليتفاجأ الجميع بتماهي التصريحات بشكل يثير الشك والريبة حول عدم وجود اتفاق يخصُّ الملف السوري، وبالتحديد إدلب من قبل الأطراف، بل ودفع ببعض الطائفيين الموالين إلى التساؤل عن الآية أو السحر الذي يقرأه أردوغان على بوتين ليمنع حرق إدلب.
إدلب التي غيرت موسكو لهجتها فجأة نحوها عبر متحدث الرئاسة الروسية بيسكوف عندما قال عقب القمة: “إنه لا يوجد تحضيرات لعملية عسكرية في إدلب.”
تلك المحافظة السورية باتت تُشكل ورقة ثقل في ميزان السياسة التركية في ظل الغموض الذي يكتنف سيناريوهات الحل شرق الفرات، كما أنها خضعت لمظلة الحسابات الإقليمية بين أطراف تصادمت بين أيديها أوراق الضغط والحل بشكل يمنع حلها على وجهه منفرد.
فالمصالح التركية التي من الممكن أن تساوم عليها تركيا في إدلب أو غيرها هي بيد الأمريكان، بينما تكمن مصلحة الأخيرة بتفاهم مع الروس والأسد حيال الأكراد مقابل إخراج إيران التي لم تعد تجد لنفسها مخرجاً في المنطقة سوى من البوابة الروسية والتركية بعد تشديد الولايات المتحدة لعقوباتها عليها.
في ظلّ هذه التعقيدات بات من غير الممكن للاعبين التحرك خارج نطاق نفوذهم دون افتعال أحداث تُعيد خلط الأوراق من جديد لتحريك المصالح الراكدة في بحيرة الدماء السورية، وعندها ستتحرك المصالح بمساراتها مثل أحجار الدومينو ضمن الخطوط المرسومة والاتفاقات المبرمة من تحت الطاولة، وعلى الأغلب هذا الحدث لن يتم دون أن تحركه الولايات المتحدة إما بانسحابها الفعلي الأعمى أو باستهداف إيران بوتيرة أوسع وأشمل، وهو أمر وارد في ظل التحضيرات التي تسوق لها الولايات المتحدة عقب مؤتمر وارسو.
نظرياً تبقى السياسة هي فن الممكن، وغدت في عهد ترامب فن المقايضة والابتزاز، فهل نقف مكتوفي الأيدي ونسلم رقابنا للمساومة أم أنه يتوجب علينا أن نكون مستعدين لكل الاحتمالات ونستبق وقوع الفأس بالرأس كما يقال؟!
إنَّ إشغال المعارضة بمسائل تنظيرية من فاتحتها تبدو أقرب للعبثية مثل الإعلان الدستوري وملفات عودة اللاجئين والإعمار ستحولها عمَّا قريب إلى كيانات معارضة بياقات بيضاء عبر سلبها مناطقها الجغرافية وتحجيمها عسكرياً، وتذويب بعضها في التسويات والمصالحات هو نهاية عملية للثورة السورية، ومن باب أولى ألَّا نكون مستهدفين كما يُراد لنا، إن لم يكن هناك شيء بعد ذلك لنخسره فلماذا ننتظر مصيرنا دون أن نكون نحن من يخلط الأوراق ويعد الحسابات بشيء ملموس على الأرض؟!