مصطفى محمد
أثار الاتفاق التركي الروسي حول إنشاء منطقة عازلة في محيط إدلب، الكثير من التساؤلات، وتحديدا حول الأسباب التي دفعت موسكو إلى تغيير موقفها الذي كان أقرب للتصعيد العسكري من التوصل إلى تسوية في المحافظة التي تعد آخر معاقل المعارضة في البلاد.
وكان بوتين وأردوغان قد اتفقا، الاثنين الماضي، في سوتشي، على نزع السلاح من خط التماس بين قوات المعارضة والنظام السوري في محافظة إدلب، بحلول 15 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. ووقع وزيرا دفاع البلدين على مذكرة تفاهم بشأن استقرار الوضع في إدلب.
وتبدو الأسباب التي دفعت موسكو إلى استبعاد الخيار العسكري في إدلب كثيرة بحسب محللين.
يأتي في مقدمة هذه الأسباب، أن روسيا وجدت في الاقتراح التركي مخرجا مناسبا في المرحلة الحالية للتخفيف من الضغط الدولي المتزايد منذ أن أعلن النظام والروس نيتهما تنفيذ عمل عسكري في إدلب بذريعة التصدي لـ”الجماعات الإرهابية”، وفق ما ذكره الكاتب الصحفي المتخصص بالشأن الروسي، طه عبد الواحد.
وأوضح عبد الواحد في حديثه لـ”عربي21″ أن الضغط لم يتوقف على التصريحات الغربية والتحذير من كارثة ستقع في حال هاجم النظام السوري إدلب، إذ تجاوز الأمر ذلك حين عزز الغرب تواجده قبالة سوريا في المتوسط، لاسيما الولايات المتحدة، بالتزامن مع تهديدات بتوجيه ضربة مؤلمة للنظام.
ورأى عبد الواحد، أن “الوضع لو تطور كان من شأنه أن يضع روسيا في موقف لا تحسد عليه، فهي لن تذهب إلى رد عسكري على الضربات الغربية ولن تكون في الوقت ذاته قادرة على حماية النظام من تلك الضربات، وعلاوة على هذا كله لن تتمكن من استعادة إدلب، فضلا عن أن العملية العسكرية كانت تهدد لو وقعت بتوتر وربما مواجهة محدودة مع الأتراك”.
وأشار إلى تغير الظرف الدولي في الآونة الأخيرة، لافتا إلى أن “حراكا سياسيا غربيا بات يدفع نحو العودة إلى مسار جنيف، مع الحفاظ على آخر منطقة خفض تصعيد باعتبارها آخر المناطق التي يوجد فيها تمثيل على الأرض عسكريا للمعارضة”.
وبسؤاله عن ما إذا كان بوتين قد وقع مرغما على الاتفاق، قال الكاتب الصحفي المتخصص بالشأن الروسي: “رغم قناعاتي بأن بوتين حصل بالمقابل على شيء ما من أردوغان، لكنه وقع مرغما على اتفاق إدلب، إذ لم يكن أمامه خيارات بديلة”.
وعن قراءته لما حصلت عليه موسكو مقابل نزولها عند رغبة أنقرة، رأى عبد الواحد أن ما حصلت عليه موسكو “مرتبط قبل كل شيء بالتعاون الثنائي تجاريا، وعبره تعاون ثنائي لمواجهة حرب ترامب الاقتصادية، وذلك من خلال اعتماد الروبل والليرة التركية في التجارة بين البلدين كخطوة أولى، وأيضا ضمنت موسكو موقفا تركيا ضد تثبيت الوجود الأميركي في مناطق شرق الفرات”.
وقال: “لكن برغم كل ذلك، يبقى ما خسره بوتين أو ما قدمه من تنازلات أهم مما كسبه، ويبدو كأنه لم يعتد ذلك لاسيما عندما يكون الأمر على صلة بالوضع السوري، لذلك غابت عن وجهه خلال المؤتمر الصحفي في أعقاب المحادثات مع أردوغان تلك التعابير التي اعتدنا رؤيتها”، منهيا قوله بأن “بوتين السعيد بالنصر أمس كان بوتين آخر”.
مكاسب قوية
وعلى النقيض من رأي من عبد الواحد، اعتبر الباحث في العلاقات الدولية عبد الستار بوشناق، أن الاتفاق أعطى لروسيا مكاسب قوية، وأهمها المؤشرات على ظهور حلف قوي بين كل من “روسيا، والصين، وتركيا”، سيما أن الأخيرة تبدو وكأنها قد أدارت ظهرها للاتحاد الأوروبي.
وأضاف بوشناق وهو مدير مركز بحثي، أن مصلحة روسيا في المنطقة تقتضي دفع تركيا إلى الانسحاب من “حلف الناتو” إضعافا لأوروبا.
وأشار إلى شراء تركيا صواريخ “S400” من روسيا، وقال: “مصلحة روسيا اليوم تمر عبر كسب تركيا، والتصعيد العسكري في إدلب كان سيدفع بأنقرة إلى تقوية علاقاتها بالغرب، والبعد عن روسيا”.
المصدر: عربي21