لا تحتاج أمريكا لمساعدة الانتفاضة الإيرانية إلى تحريك الجيوش وبذل الأموال الطائلة، إنما يكفيها نشر ما لديها من معلومات عن فضائح الفساد لدى القيادة الإيرانية:
أوضح الرئيس ترامب بجلاء أن الولايات المتحدة تقف مع المتظاهرين الإيرانيين الذين توقفت مظاهراتهم ضد الحكومة القمعية وخامنئي الأسبوع الماضي، لكن مطالبهم بقيت دون استجابة، وترامب ما يزال بوسعه دعم قضيتهم بسهولة نسبية ودون مخاطر؛ إذ يكفي أن يتحدّث عن تفاصيل فساد النظام، وبالتالي مساعدة المواطنين الإيرانيين العاديين على فهم المسار الكامل لثروتهم التي نُقِلت من أيديهم إلى القطط السِّمان في الحكومة.
أول هذه القطط السمينة هو خامنئي نفسه، الذي يدير شخصيا إمبراطورية اقتصادية شاسعة، وفي المرتبة الثانية يأتي قادة الحرس الثوري الذين يحظون بامتيازات لإدارة شبكة من استثمارات الدولة تغطي 40% من الاقتصاد الإيراني.
الاضطرابات التي اشتعلت وانتشرت مع بداية السَنة تعود أسبابها العميقة إلى اليأس الاقتصادي، فالتضخم يؤذي الفقراء، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية -بما فيها البيض- بمعدل 50% السنة الماضية وحدها، كما أن نسبة البطالة تقدر بنحو 40%.
لكن ثمة عامل سياسي قوي في اليأس الإيراني، فبعد الاتفاق النووي سنة 2015 وعَد الرئيس حسن روحاني بعهدٍ جديد من الرخاء، وأدى الاتفاق إلى الإفراج عن أكثر من 100 مليار دولار كانت مجمدة، وكان من المتوقع أن تفتح البلاد للاستثمارات الخارجية، لكن المواطن الإيراني العادي لم يشعر بأي تحسن.
لقد استفادت النخبة، أما الحرس الثوري فقد استعرضوا عضلاتهم في العراق وسورية واليمن، لكن الركود الاقتصادي وانهيار التعاونيات المصرفية الفاسدة استنفذا مدخرات الأسر المحدودة الدخل. وعندما عُرِفت تفاصيل الخزينة الوطنية انطلقت شرارة الغضب، وفي الوقت الذي كان فيه النظام يدفع أموالا طائلة لعملائه ويزيد من تمويل المغامرات الخارجية، كان يخطط لخفض معدلات الرفاهية الاجتماعية ورفع أسعار الغاز للمستهلك.
في 29 كانون الأول أطلق ترامب سريعا تغريدات تأييد للمتظاهرين، وفرض عقوبات جديدة على إيران لمتابعتها برنامج الصواريخ البالستية، لكنه الآن يجب أن يفرج عن المعلومات التي جمعتها وكالات المخابرات حول مقدار الثروة التي جمعتها النخب الإيرانية من خلال الشركات التي تتخذها واجهة لأنشطتها المالية وامتلاكها الموارد الإيرانية في الخفاء.
إن قانون الشفافية في ممتلكات القيادة الإيرانية، الذي أقره مجلس النواب في شهر كانون الأول سيفعل هذا، غير أنَّ الرئيس لا يحتاج إلى انتظار إجراء من الكونغرس لاتخاذ إجراء، وبوسعه رفع السرية عن المعلومات المتعلقة بالممتلكات المالية لأفراد القيادة الإيرانية.
وحدث هذا سابقا في حالات مماثلة، حيث ينص قانون مواجهة أعداء أمركا من خلال العقوبات الذي بات قانوناً في شهر آب على أن نشر تقرير وزير الخزانة عن ملكية أفراد روس والكيانات ذات النفوذ السياسي وشبه الدولة، مثل شركة غاز بروم العملاقة للغاز الطبيعي، إننا الآن بحاجة إلى تقرير مماثل عن إيران.
إن إعداد هذه الوثائق يتطلب وقتا، فالمخابرات تتردد في الإفراج عن معلومات معينة خوفا من كشف مصادر هذه المعلومات، ويمكن للرئيس أن يتغلب على هذه الصعوبات من خلال الطلب من وكالة المخابرات المركزية إصدار تقرير باستخدام أساليب جمع المعلومات من مصادر مفتوحة، فالكثير من المعلومات عن الفساد الإيراني متاحة للجميع لكنها ليست معروفة على نطاق واسع.
وفي عام 2013 نشرت رويترز تحقيقا مطولا عن ممتلكات خامنئي، وكشفت أنه من خلال منظومة (سيتاد) التي تشكلت من خلال الاستيلاء المنهجي على ممتلكات المواطنين العاديين، تمكن من امتلاك ما لا يقل ثمنه عن 95 مليار دولار، ويستخدم هذا المال لتعزيز سلطته ودعم الجماعات الإرهابية في الخارج، ويذهب منها ما بين 700 و800 مليون دولار سنويا إلى حزب الله.
فإذا كانت رويترز قادرة على كشف القليل من المستور خلف ستار التقية الذي يغطي المرشد الأعلى به فساده، فما المدى الذي سيصل إليه هذا الكشف إن نشرت حكومة الولايات المتحدة معلوماتها؟
إن قوة فضح النفاق والفساد ليس قليلة الشأن، فقد حصلت الثورة الإسلامية على التأييد، وانتشرت عام 1979 بسبب التباين بين الحياة الدينية المتواضعة المزعومة لمؤسس الثورة الخميني وبين أسلوب المعيشة الباذخ لشاه إيران محمد رضا بهلوي.
إن الغضب الشعبي الذي حشد الإيرانيين الفقراء ضد النظام الملكي هو ذاته اليوم يطعن في شرعية الجمهورية الإسلامية، ففي بعض الفيديوهات الواضحة اعتذر المتظاهرون للشاه الراحل لأنهم نفوه، ولم يدركوا أن الجمهورية الإسلامية ستفقرهم بدلا من تحسين وضعهم.
المواطنون الإيرانيون، وخصوصا جيل الألفية، يطالبون بالفرص الاقتصادية وحقوق الإنسان الأساسية، ولا يحتاج دعمهم إلى المخاطرة بأرواح أمريكيين ولا يكلف أمريكا مبالغ مالية، والمرشد الأعلى والحرس الثوري هم أعداء أمريكا أيضا، ومساعدتهم تعني أن أمريكا تساعد نفسها.
الكاتب: كينيث وينستر الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد هدسون، منظمة الأبحاث السياسية ومقرها في واشنطن.
صحيفة: لوس انجلوس تايمز
رابط المقال الأصلي:
http://www.latimes.com/opinion/op-ed/la-oe-weinstein-iran-corruption-20180110-story.html