علي سندة |
كيلا نطيل على القارئ بالوصول إلى الجواب عمَّا هو مأمول من الاجتماع القادم للجنة الدستورية يوم الإثنين القادم 24أغسطس/آب الجاري، فإن الحقيقة تتمثل بالنسبة إلى النظام بكسب المزيد من الوقت لاستمرار قضم المُحرر وتحقيق مكاسب أكبر على الأرض، وبالنسبة إلى المعارضة (الاستمرار بواقعية سياسية مفروضة)، فعندما تم إعلان ولادة اللجنة الدستورية بعد مخاض عسير في أيلول/سبتمبر 2019، وبغض النظر عن صحتها أو عدمها سياسيًا وتباين الآراء حولها، علَّق عليها وزير خارجية الأسد (وليد المعلم) قائلًا: “قبولنا باللجنة الدستورية لا يعني توقف العمليات العسكرية”، وقال سابقًا: “سنغرقهم بالتفاصيل.” ليترجم ذلك فعليًا على الأرض، فبعد أول اجتماع للجنة الدستورية في 30 أكتوبر/تشرين الأول إلى الآن، قضمت مليشيات الأسد ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي وأجزاء واسعة من ريف حلب الغربي، ومايزال النظام يتطلع لاستكمال قضم المناطق وعينه على جبل الزاوية وطريق حلب-اللاذقية، وربما لولا اتفاق 5 آذار بين تركيا وروسيا لاستمرت عملية القضم التي لا حدود لها حتى الآن.
إننا فعلًا مانزال “غرقى التفاصيل” غرقى لعبة كسب الوقت التي يلعبها النظام ويتقنها منذ حملته الشرسة التي بدأها سنة 2015 لقضم الأراضي ولم تتوقف إلى الآن، غرقى مناحرات رأي فيما بيننا حول شكل الدولة السورية القادمة فدرالية مركبة أم موحدة بسيطة، غرقى الإسلامية والعلمانية في الدولة المستقبلية، غرقى الفصائلية الحالية وأمراضها، غرقى التفلت الأمني والجرائم والتفجيرات في الشمال المحرر، غرقى الوضع الاقتصادي السيء الذي طغى على كل السوريين، غرقى خيام النزوح والألم والتشرد، غرقى القصف والتهديد باستمرار لقضم ما تبقى، لكن الأشد مرارة أننا لم نحصل على الدولة بعدُ حتى نغوص في التفاصيل ونغرق بها، وبالتالي نحن غرقى قبل الغرق.
الجميل في الأمر أن أعضاء اللجنة الدستورية من طرف المعارضة، يعرفون أن النظام ليس جادًا في العملية السياسية بعدما لمسوه في الجولة الأولى، وأنه يأتي كيلا يكون بموقف الرافض للحل السياسي، ويعرفون أن الدستور ليس الحل الوحيد للمسألة السورية وأنه جزء من الحل إلى جانب جهود أممية ودولية يجب أن تكون للدفع بالعملية السياسية إلى الأمام وإحراز تقدم، بل إن أعضاء المعارضة حضَّروا موضوعات مهمة للنقاش طوال تلك الفترة وهم جاهزون للجولة يوم الإثنين حسب تعبيرهم، لكن المسألة أن اللجنة الدستوري واقعية سياسية على الجميع، وبالنسبة إلى النظام جديتها متعلقة بروسيا ومدى ضغطها عليه في التعامل معها، والحقيقة المُرَّة ماذا لو استمرت لعبة كسب الوقت باسم اللجنة الدستورية واستمر النظام معها بقضم المزيد من المحرر؟ ما بديل المعارضة هنا؟! سؤال برسم كل الفصائل والقوى السياسية، والذي يزيد الأمور تعقيدًا وربما حلاً بالنسبة إلى المعارضة وموقفها، هو تدخل أمريكا عبر مبعوثها (جيمس جفري) وتصريحه يوم الإثنين الماضي عن لقاء أطراف دوليين وأعضاء معارضين وتوجهه إلى جنيف، وإجرائه زيارة مرتقبة لتركيا بحسب بيان للخارجية الأمريكية مساء أمس، فهل يبحث ترامب عن حل سحري في سورية يرفع أسهمه في الانتخابات القادمة بعد أن صرح مبعوثه جيفري أن روسيا غير جادة بإيجاد حل سياسي في سورية؟!
وتبقى الحقيقة أن من لم يرد لسورية حلاً سياسيًا عندما كانت المعارضة تسيطر على أكثر من 70% من الأراضي، لن يدفع بالحل السياسي قدمًا رغم تقلص المساحة على الأرض بالنسبة إلى المعارضة واقتصارها على جيوب صغيرة في الشمال، لأن الأطراف المتصارعة على الأرض السورية ماتزال في صراع سياسي وعسكري، ولم تتوصل بعد إلى اتفاق فيما بينها، لذلك الجميع يعتاش على بقاء بشار الأسد ويستمر بلعبة كسب الوقت التي دائمًا في مصلحة نظام الأسد وحلفائه، ومتى تم الاتفاق ستكون العملية السياسية تحصيل حاصل لا أكثر.