أنس ابراهيم |
كما هو معلوم بالضرورة أنّ لكل مجتمعٍ من المجتمعات حضارته العريقة الممتدة في التاريخ وموروثاته التقليدية وأعرافه التي تشكّل لبِنة تماسك هذا المجتمع أو ذاك في وجوه أي إعصارٍ جارفٍ سواء أكان فكرياً أو أخلاقياً أو حتى عقائدياً.
فما بالك إذا كان هذا المجتمع ذا حضارةٍ إسلامية امتدت منذ نبوّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، مروراً بعصر الخلفاء الراشدين، والعصر الأموي، وكذلك العصر العباسي حتى أواخر حكم الدولة العثمانية.
على أنّ انهيار الدولة العثمانية الذي آتى أكُله بمكر الليل والنهار من أعدائها وأعداء الأمة آنذاك امتدت آثاره إلى يومنا الحاضر في كل مناحي احتكاكاتنا اليومية الاجتماعية منها والسياسية، وحتى في التشكيلات العسكرية الجديدة التي نشأت عقب ثورات الربيع العربي التي لاقت تصدياً واسعاً من أنظمة الحكم الدكتاتورية في العالم.
ومن تلك الآثار الواضحة المعالم في شخصياتٍ بارزة وملمّعةٍ وطنياً وقومياً، هي الشبهات التي تلتبس على الإنسان بشقّيها الفكرية والنفسية، تلك الشبهات التي تتعارض مع أسباب ومقومات قيام حضارتنا الإسلامية من جديد التي أفل نجمها على يد شخصياتٍ تصدرتِ القرار في الأمة وأُلبِس عليها الفهم الصحيح إلى درجة تبني مفاهيمَ وأفكارٍ خاطئة بالجملة بما يحملونه من شبهات نفسية تتحلى بها شخصياتهم وما زالت هذه الصورة النمطية حاضرة في وبقوة في مفاصل الثورة السورية.
وكما أنّها نبتت في حنايا المجتمع وأفراد مواطنيه فرداً فرداً كلٌّ حسب درجة بعده في تقصيه للحق والحقيقة؛ مما يعني أن الإنسان معرض لخطرين، خطر الشبهات وخطر الشهوات؛ أي الشبهات فكرية، والشهوات نفسية.
فهناك مزلقان خطيران يتربصان بالإنسان إن لم يكن إيمانه قوياً، قد تزل قدمه بشبهة أي ضلالة، نقد، مأخذ، على هذا الدين العظيم، هذه الضلالة، أو تلك الشبهة، أو هذا المأخذ يزلزله، فلذلك يجب أن يكون أولو الشأن في اتخاذ القرارات خاصة على يقظةٍ تامة، حتى لا يخضعوا لشبهة.
أحياناً تطرح أمامك شبهة لا تعبأ بها، إيمانك أقوى من هذه الشبهة، هذه حالة صحية وجيدة، أما حينما تطرح أمامك شبهة، وهذه الشبهة تزلزلك، تضعف ثقتك بالله، تضعف ثقتك بهذا الدين العظيم، تضعف ثقتك بوعود الله عز وجل، وهذه الشبهة خطيرة، وقد تتفاقم، وقد تستشري، فلا بدّ من معالجتها، لذلك سيدنا عمر كان يقول: “تعاهد قلب”.
وأما الشهوات فهي التي تطفو على المشهد إذا ما عاينت النتائج الواقعية التي نعايشها وإذا ما قارنتها بالشبهات الفكرية التي تبدو في كثير من الأحيان كالحجة البيضاء؛ إذ يلبسونها لبوس المنطق بخيوطٍ من التاريخ واستشهاد من رجالات بارزة، فحبُّ السيادة والترأس دون أهلية لذلك هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير في انحراف ثورتنا عن هدفها الرئيس، ناهيك عن الجشع والطمع والتهافت لاختلاس الأموال التي تغدق على الشعب السوري المكلوم.
وأخيراً وليس آخراً فإن هناك جملة من المسلَّمات ربما نغفل عنها في طريق وصولك للنهضة والتحرر الحقيقي، وهي أننا مجتمع لا ننسلخ عن كوننا مجتمعٌ مسلم، وبالتالي فإنَّ تعاليم المشرِّع وقوانينه الخاصة لمن آمن به سارية المفعول علينا سواء بالجزاء أو العقاب نتيجة إعراضنا وعدم اتباعنا للمنهج القويم بعد استسلامنا وإقرارنا به في شهادة التوحيد، الأمر الذي لا يستوجب سريان هذه القوانين الخاصة في الحياة الدنيا على غيرنا من الشعوب في طريق حياتها ومعيشتها وبرامجها السياسية، بخلاف القوانين العامة الكونية فهي تنطبق على جميع الناس والبلدان.
وآخراً إن مجتمعاً مسلماً تقوده الشبهات والشهوات التي تحملها شخصيات تؤثر قراراتها سلباً على مصير هويته العربية المسلمة لا بدّ لذلك من أن يؤخر استرداد حضارته الإسلامية التي من طبيعتها أن تشعَّ على العالم بأسره ولو كان هناك في كل يوم ثورة وثورة.