بقلم رئيس التحريرتستمر جولات التوتر والغليان والاتّهامات بين الجانبين التركي والروسي بعد قيام طائرة تركيّة (F 16) بإسقاط طائرة روسيّة (سوخوي) على الحدود التركيّة السوريّة، ولا تبكي روسية طيّارتها وطيارها، وإنَّما تحرص على حضورها الدولي وألقها وسمعتها، وتهتم بمركز (الزعامة) المفقود منذ زمن.لم تغب حادثة الطائرة عن ذهن (بوتين)، خاصةً وأنَّها الطائرة رقم (2) التي تسقط رغمًا عنها، ولذلك أطلق التهديد والوعيد، وأراد أن يتعامل مع تركية كما تعامل مع مصر، وأن يتعامل مع (أردوغان) كما تعامل مع (السيسي)، واتخذ إجراءات فرض عقوبات اقتصادية ادَّعت تركية –مُكَابرة- أنَّها لن تؤثر فيها!أقدمت روسية على فكِّ الروابط الاقتصادية في خطوة أولية، وطلبت من مواطنيها مغادرة الأراضي التركيّة، ونشرت منظومة الصواريخ المتطورة (إS400) وكثّفت طلعاتها الجوية، وقصفت الشاحنات التركيّة المخصصة للإغاثة الإنسانيّة على الحدود السورية.لا شكَّ أنَّ الخسارة الاقتصادية ستشكّل ضربةً موجعةً لتركيّة، علمًا أنَّ حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى حوالي 33 مليار دولار، وأنَّ تركيّة تعتمد على الغاز الروسيّ بنسبة تصل إلى 60%، وتجني سنويًّا 10 مليارات دولار من السياحة الروسيّة.وأمام هذا المأزق الاقتصادي الذي يرسمه الثعلب (بوتين) لا تستطيع الدول الحليفة لتركية غير التعاطف معها والاستمرار بـ(التطبيل) وتقديم باقة من الدعم المعنوي والكلامي، وتشجيع شراء البسكويت التركي وفتوى تذكر المسلمين أنَّ تركية بلد مسلم!ربَّما تبقى الإجراءات التي قام به (بوتين) المشهور بصبره وعناده وانتقامه (حنجلة) قبل (الرقصة) التي يريد أداءها في (الساحة) ليلفت نظر الكاميرات والحضور ويغطّي على باقي (الراقصين)، فهو يستطيع استخدام ورقة الأكراد للضغط على تركية وأعدائه في سورية، خاصةً وأنَّ لروسية تجاربَ قديمةً في التعامل مع الأكراد واستغلالهم وتوجيههم على النحو الذي يخدم طموحها ومصالحها، ثمَّ رميهم (كالقشة تحت الأمطار)!لا نستبعد قيام روسية بهذه الخطوة، فوسائل إعلامها تمهِّد، ومجلس الدوما يطرح فكرة تسليح (حزب الاتحاد الكردستاني)، و(بوتين) يشيد بـ (وحدات حماية الشعب)، ورسائل الغزل الصريح بين الطرفين تتناقل على ألسنة الرواة، فـ (حزب الاتحاد الديمقراطي) الذي أسسه (حزب العمال الكردستاني) في سورية سنة 2003م يرحب بالتدخل الروسي، وروسية ترفض عدَّ (العمال الكردستاني) حزبًا إرهابيًّا كما هو مصنَّف في تركية.فالطريق مُعَبَّد للتعاون والتنسيق على أعلى المستويات، الذي يمكن أن ينتج منه سيطرة الأكراد على مساحة طويلة من الشريط الحدودي، ليشنوا منها حملات تضرب أمن تركية في العمق، إضافة إلى السيطرة على الجزء الغربي من الفرات، تلك المنطقة الحساسة التي تربط بين المدينتين الاستراتيجيتين لدى الدولة الإسلامية (الموصل-الرقة)، وهذا يعني بشكل أو بآخر وأدَ الحلم التركي بإقامة المنطقة العازلة وطرد الشبح الكردي.وتبقى هناك عقبة في وجه موسكو هي أنَّ واشنطن استطاعت قبلها أن تضع (الاتحاد الديمقراطي) و(قوات سورية الديمقراطية) التي تضم (وحدات الحماية الشعبية) تحت أجنحتها، فقدمت لهم الأسلحة والغطاء الجويّ في معاركهم مع الدولة الإسلاميّة، وقدَّمت لهم الخبراء العسكريين في مجاليْ الاستشارة والتدريب، وهذا ما جعل العلاقة العسكرية بين واشنطن وأنقرة غير مريحة.ومهما يكن من أمر فإنَّ (بوتين) المشهور بصبره وعناده وانتقامه سيصل إلى الأكراد إن اقتنع بالفكرة قبل اعتذار أنقرة، وعندها ستكون الكرة في ملعب الأكراد، فهل سيضعونها في مكانها المناسب؟