علي سندة
قبل انطلاق الجولة الثالثة من محادثات اللجنة الدستورية يوم الإثنين 24 أغسطس/آب الجاري، وصفها المبعوث الأممي (غير بيدرسون) بأنها عملية شاقة وطويلة الأجل ولن تُحدِث معجزةً ولا حلاً للأزمة السورية، ليأتي فيروس كورونا الذي حمله وفد النظام من دمشق إلى جنيف، ويقطع قول كل خطيب، فعُلِّقت الجلسة يوم الثلاثاء لتستأنف أعمالها يوم الخميس مع الالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي، علمًا أن وفد المعارضة كان يسعى لأن تكون مدة الجولة أسبوعين، ووفد النظام يريدها أقل من أسبوع، وكورونا خطف منها يومين، والجلسة الختامية ستكون اليوم.
في الجولة الثالثة من محادثات اللجنة الدستورية اتضح أن وفد النظام برئاسة (أحمد الكزبري) لم يكف عن العمل بوصية وزير خارجية الأسد (وليد المعلم) “سنغرقهم في التفاصيل” إذ استمر بأسلوبه الاستفزازي وافتتح الجلسة بأن سمَّى نفسه هذه المرة باسم (الوفد الوطني) وأنه لا يمثل الحكومة السورية بدمشق، وهنا تدخل رئيس وفد المعارضة السورية (هادي البحرة) وطالب بالمُتفق عليه عند الـتأسيس برعاية الأمم المتحدة، وقد سبق أن سمَّى وفد النظام نفسه في الجولتين السابقتين بثلاث تسميات: (وفد الحكومة السوري، الوفد الذي يمثل وجهة نظر الحكومة السورية، الوفد المدعوم من الحكومة السورية)، وكل ذلك لا يخرج عن التسلية وتخريب الاجتماعات، فضلًا عن وصف الأسد للمبادرات السياسية قبيل اجتماع اللجنة الدستورية بأنها خزعبلات هدفها نصب الفخاخ.
بعد بدء الجلسة الأولى لهذه الجولة أصر وفد النظام فتح الحوار بمناقشة وجود كيانات انفصالية على الأرض السورية، وهذا أسلوب أراد فيه خلع الشرعية عن وفد المعارضة، من خلال التدليل على وجود تركيا في الشمال السوري ودعمها للمعارضة، وبالتالي إضفاء صفة الاحتلال وعدم الشرعية، بينما لا ينطبق ذلك على روسيا وإيران الموجودتين في مناطقه، فسياسيًا ودوليًا النظام هو صاحب الشرعية السياسية في سورية، وبالتالي لا تشكلان كيانًا انفصاليًا، إلا أن وفد المعارضة أصرَّ على وحدة سورية وسيادتها واستقلالها.
ربما أهم ما يُشار إليه في هذه الجولة أن الحوارات ستكون حول إدخال تعديلات على دستور 2012 وليس الحوار لأجل دستور جديد، أي وداعًا لحكومة انتقالية وانتقال سياسي، وقبل كل شيء هذا يعني طي صفحة المعتقلين على الأقل حاليًا، وجعلها ليست أولوية رغم تذكير وفد المعارضة بها دائمًا.
محور الجلسة كان (مناقشة الأسس والمبادئ الوطنية)، ودار خلاف حولها بين الوفود الثلاثة، وهذا شيء طبيعي وبدهي، وهنا طرح وفد المجتمع المدني أن يكون العيش المشترك بداية مناقشة المبادئ الوطنية، وقد وصف (البحرة) الحوارات بأنها كانت إيجابية ورغم اختلافها تصب في جوهر واحد، لكن قال أيضًا: “إذا أفشل النظام الجولة الثالثة من المحادثات فالتحالفات الدولية هي المسؤولة هن التقصير وعن استمرار المأساة السورية.”
تتجلى الحقيقة بأن القتيل هو (الوطن) بالنسبة إلى أحرار السوريين، والقاتل نظام مجرم قتل كل من طالب بدم الوطن، بل وبنى السجون على أطلاله، لذلك فليعلم (بيدرسون) أن السوريين فعلًا لا ينتظرون حلاً ولا معجزة من اللجنة الدستورية بل حتى لا ينتظرون المخرجات التي سيتم التصويت عليها اليوم، إنما ينتظرون وجود إنسانية لدى المجتمع الدولي تستفيق بعد عقد من الزمن، لإيقاف نظام الأسد القاتل الذي مايزال يحشد قواته لبدء معركة جديدة تهدد حياة مليون ونصف سوري بإدلب، ينتظرون إنسانية تُوقِف معاناة 15 مليون نازح سوري، وموقفًا يأخذ حق مليون شهيد بمحاسبة قاتلهم دوليًا، وأخيرًا ينتظرون صنع وطنهم بأيديهم فقط ليقطعوا قول كل خطيب، فهم أبلغ بمسألتهم ووطنهم من غيرهم.