باسل خراط |
عام 1820 كان الاقتصاد الصّيني هو الاقتصاد الأكبر في العالم، لكن الثّورات الصّناعيّة في الغرب أنهت هذا التّفوق خلال الفترة ( 1820 – 1978 )، حيث انحسر الاقتصاد الصّيني (النّاتج المحلي)، كنسبة مئويّة من الاقتصاد العالمي بشكل مستمر ووصل إلى أدنى مستوياته خلال الفترة (1952 – 1978)، لتنتقل بعدها إلى سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي.
في سبتمبر وأكتوبر 2013 كشف الرئيس الصيني عن مبادرة “حزام واحد طريق واحد”، تستهدف ربط الصين بالقارة الأوربية عبر مرورها بآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا، وذلك من خلال 6 ممرات رئيسة، و كان التركيز على التعاون والاستثمار في وسائل النقل، وتطوير البنية التحتية، والتجارة والاستثمار، والطاقة والموارد الطبيعية، والأمن المالي، والتعليم.
تغطي هذه المبادرة أكثر من (68) دولة ، بما في ذلك 65٪ من سكان العالم، و40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، لذلك يقدر أنّها ستدرج ضمن أكبر مشاريع البنية التّحتيّة والاستثمار في التّاريخ.
المشروع في أرقام:
– تم إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية 56 دولة مشاركة، الصين أكبرهم مشاركة بنسبة 26.06 ٪
– رصدت الصين للمبادرة ترليون $ وتتوقع تكلفة للمبادرة حتى عام 2030 مبلغ 22.6 ترليون $
– أقامت الصين 90 مشروعًا في 60 دولة حتى الآن.
– قيمة الصفقات التجارية بين الصين والدول الموقعة على الاتفاق تجاوز 5.5% بليون$
– استثمرت الصين 80 بليونًا في الدول على طول الطريق وخلقت 244 ألف فرصة عمل.
– 81 مشروعًا تعليميًا إضافة إلى 35 مركزًا ثقافيًا. وفي النصف الأول من 2018، (40 مليون دولار تقريبًا) على المنح الدراسية.
تسعى الصين من خلال هذه المبادرة لتحقيق عدة أهداف تشير ظاهرياً إلى مبدأ (رابح رابح) الكل مستفيد من خلال الأهداف الخمسة الرئيسة الواردة في الشكل أعلاه، التي تعني بالحتمية للصين زيادة الإنفاق الحكومي وزيادة العمالة وكذلك زيادة الصادرات مقارنة بوارداتها المرتكزة على مصادر الطاقة والمواد الأولية (حجم كبير من الاستثمار في كزاخستان الجارة للصين هو في حقول النفط ومزارع الرياح) وبناءً على كل ما سبق سيكون من البدهي زيادة دخل الفرد (الشكل 1) والإنفاق الأسري ،ما يعني بالحتمية ارتفاع الناتج المحلي في الصين، وبدا هذا الازدياد واضحاً بنسبة 6.8 % في النصف الأول من العام 2018، متجاوزًا الهدف السنوي الحكومي الذي يبلغ نحو 6.5 %، بينما ظل معدل النمو بين 6.7 و 6.9 % خلال 12 فصلاً متتالياً. (الشكل2)
أما بالنسبة إلى الدول النامية الموقعة فإنه رغم أن المبادرة تستهدف تأهيل البنى التحتية، وبالتالي وضع أساس الانتعاش الاقتصادي فيها إلا أن هناك حجم كبير من المخاوف المتعلقة بالهيمنة على موارد أو اقتصادات هذه الدول، عبر سياسات الإقراض غير الواضحة أو غير المعلن عنها حتى الآن.
ما بين سطور المبادرة:
– فك الهيمنة الأميركية على المنفذ البحري “ملقة” للواردات وبالأخص الطاقة (المشغل الرئيس للاقتصاد) واستبداله بعدة طرق برية.
– رغم التطمينات الصينية للهند واليابان وباقي الدول المعارضة للمبادرة خاصة روسيا ذات المشروع المشابه، إلا أن انجذاب دول آسيا الوسطى وباقي دول “الطريق” لإغراء المال الصيني يزيد من النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين.
– التقدم بالمشروع بسياسة “slow but sure” يجعل من الصين متربعةً على عرش التجارة العالمية والصعود لصدارة العالم على حساب الولايات المتحدة.
– زيادة التّبادل التّجاريبالعملة الصّينيّة التي من فوائدها تقليل تكلفة التّبادل التّجاري، ومخاطر تقلبات أسعار الصّرف بالنّسبة إلى شركاتها. كما يجعل اليوان عملة احتياطي.
– عادة ما تطلب الصين من الدول المستفيدة من الهبات استخدام الشركات الصينية لبناء الطرق والموانئ. ففي باكستان، على سبيل المثال، يعمل 7 آلاف مواطن صيني على هذا الممر الاقتصادي بحماية باكستانية.
– الشركات الصينية المدعومة من قبل الحكومة والمنفذة للمشاريع في دول “الطريق” تتمتع بالمرونة الكافية لعقد صفقات لا تشترط أن تكون عائداتها أرباحاً نقدية في المقام الأول، بل يمكن أن تشمل النفوذ الإستراتيجي أو القوة الناعمة.
– التأثير الاقتصادي للصين على الدول التي تقرضها ليس بالإيجابية التي يظنها قادة الدول النامية الذين يرون بالأمر فرصة لتدوير عجلة الاقتصاد عندهم (نقود سهلة) فالاستثمارات الصينية في إفريقيا خلال الفترة من 1991 إلى 2010، لم تساعد في النمو الاقتصادي، والواردات الصينية الرخيصة غالبًا ما تحل محل المنتجات المحلية.
– ستُمول معظم مشاريع البنى التحتية من خلال القروض المقدمة من البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية AIBB وصندوق طريق الحرير SRF لبنوك الدول المستفيدة. ارتفاع معدلات الفائدة لتلك القروض مؤخراً من 2.5% إلى 5% يعني ضمنياً أنه إذا لم تتمكن باكستان على سبيل المثال من سداد قروضها، فحينها يمكن للصين تملّك العديد من مناجم الفحم وأنابيب النفط ومحطات توليد الكهرباء، وبالتالي سيكون للصين نفوذًا على الحكومة الباكستانية.
– الصين لا تهتم بطبيعة النظام الحاكم في دول الطريق من الناحية الإيديولوجية أو العرقية أو الطائفية، بل كل ما يهمها هنا هو تأمين أكبر قدر من الاستقرار الأمني وهذا تبرير موقفها في سورية وميانمار
– تقريباً نصف مليون طالب في التعليم العالي من الدول على طول “الطريق” في الجامعات الصينية عام 2017 وبالتالي نحن نتكلم عن أجيال تستقي من الاقتصاد الشيوعي الرأسمالي وتدعم وجود المبادرة
أميركا VS الصين
من خلال المبادرة تسعى الصين إلى محاولة تغيير نمطية النظام الدولي الحالي، أو على الأقل في شقه الاقتصادي، من نظام تهيمن عليه الولايات المتحدة إلى نظام متعدد الأقطاب تكون الصين إحدى أقوى وأهم أقطابه. وهذا ما لا يمكن أن تسلم به واشنطن بسهولة، لذلك فإن الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان ناقشوا مشروع بنية تحتية دولية مشتركة كبديل لمبادرة (الحزام والطريق)، كما أن الولايات المتحدة تحاول محاصرة الحزام الصيني وإشعال المناطق المستهدفة بالمبادرة (منطقة الشرق الأوسط مثالاً). بالإضافة لإشعال فتيل الحرب التجارية الباردة (تبادل زيادات الرسوم الجمركية – قضية هواوي) الأمر الذي قد يوحي بأن واشطن قد تفضل سياسة (خاسر خاسر) حتى لو بإعادة سيناريو 1929 على نجاح المبادرة، هذا إن استبعدنا فكرة تحول الحرب التجارية لحرب حقيقية.
أوربا الخجولة
انقسمت دول أوروبا بين متفائل وقلق، فبدا الحماس في أوروبا الشّرقيّة والوسطى للاستثمارات الصّينيّة واضحاً.
أما دول أوروبا الغربيّة وخاصة الشّماليّة لا تُخفي قلقها من طموح الصّين للهيمنة على العالم من البوابة الاقتصادية، ونظراً لغموض هذه المبادرة تلتزم عدّة دول أوروبيّة الحذر كألمانيا وفرنسا، مطالبين الصين بوضع قواعد تخص الشفافية ومعايير العمالة والديون والبيئة.
وقد أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرًا عن إستراتيجية تستهدف تعزيز التعاون مع الدول الآسيوية عن طريق ربط شبكات البنية التحتية، وشبكات الطاقة، وشبكات الاتصال الرقمية الأورو-آسيوية، وإقامة شراكات مع البلدان والمنظمات الآسيوية، هذه الإستراتيجية المقبلة قد تشكل أيضاً منافسة حقيقية لمبادرة الحزام والطريق الصينية.