جاد الغيث |
(لن أفقد الأمل.. لن أفقد الأمل، إنها سورية العظيمة، وليست سورية الأسد).
تغريدة كتبتها الفنانة السورية الراحلة (مي سكاف) ولسان حال كل سوري حر يترجم هذه العبارة إلى واقع معاش على مدار تسع سنوات من عمر الثورة السورية، حيث شهدت المناطق السورية الثائرة أوجاعًا دامية في سبيل بناء سورية حرة وعظيمة.
ملايين السوريين المهجرين المحملين بذكريات لا تفارقهم عن مدنهم وقراهم عادوا مرة أخرى ليعيشوا معًا تحت سماء سورية العظيمة، وتشكلت من جراء ذلك سورية صغيرة تضم كل السوريين في كثير من المدن المحررة .
مدينة (الباب) الحرة كبرى مدن ريفي حلب الشمالي والشرقي، كان لها النصيب الأكبر من استقبال النازحين من كافة المناطق السورية، واليوم يعيش أبناء المدينة الأصليون مع أهالي المناطق الشرقية والجنوبية، يتجاورون في مساكنها، ويتقاسمون الرزق في أسواقها، وينشئون فيها مجتمعًا جديدًا.
وفي بداية شهر نيسان عام 2019 أطلق مركز (هوز) للتطوير المجتمعي في مدينة الباب مبادرة بعنوان: (بلدنا كلنا) تهدف إلى تعزيز قيم التماسك المجتمعي وثقافة العيش المشترك بين المجتمعات القاطنة في مدينة الباب التي تحتضن مع أهلها عددًا كبيرًا من المهجرين من مختلف المحافظات السورية، حيث تم تنفيذ عدة أنشطة تعريفية بالتراث الثقافي لكل مدينة وأحداث الثورة والتهجير على مدار ستة أشهر متتالية.
نجحت مبادرة (بلدنا كلنا) وكانت حجر الأساس الأول لطباعة كتاب (خمس مدن في الثورة السورية) الذي صدر في آذار 2020.
يقع الكتاب في (60) صفحة ويتناول فترة زمنية ممتدة من عام 2011 إلى عام 2019، وبنيت مادته بشكل أساسي من مشاهدات الكتّاب أنفسهم ومقالات صادرة عن دار (هوز) للأبحاث والنشر.
الكتاب يحوي قائمة من المراجع والملحقات ويوثق بالتاريخ والمكان استشهاد ( 43 ) شهيدًا من شهداء معركة تحرير البوكمال وريفها.
كما يروي الكتاب شهادات عن تفتيت المناطق المحررة إلى جزر متباعدة، كما حدث في مدن جنوب العاصمة دمشق، وعن تحرير مدينة الباب والبوكمال، وعن مجزرة الساعة في حمص وعن تهجير أحياء حمص القديمة ومجزرتي كرم الزيتون والحولة، ومجزرة بيت سحم، والتغيير الديمغرافي لحي الوعر، واستهداف الناشطين في مدينة تدمر.
ويسلط الكتاب الضوء على وحشية نظام الأسد وتصفيته للشرفاء والأحرار، حتى (أم عمر) الطاعنة في السن، التي أصبحت تهيم على وجهها في شوارع مدينة حمص بعد تصفية المخابرات العسكرية لابنها، تشتم وتسب من حرقة قلبها، تمت تصفيتها رميًا بالرصاص أمام بوابة الفرع وبكل دم بارد .
تم الاعتماد في الكتاب على التسلسل الزمني للأحداث الموجعة التي عاشتها معظم المناطق السورية الثائرة، من خلال سرد أهم الوقائع التي عاشتها خمس مدن سورية منذ بداية الثورة وحتى نهاية عام 2019 , ولم يتم في الكتاب مراعاة التسلسل الزمني الدقيق وربط الأحداث بعضها ببعض، قدر ما تم مراعاة تسلسل منطقي للتحولات المهمة في ثورة السوريين.
وكما هو الحال في اجتماع المهجرين السوريين لبناء حياة جديدة، اجتمع عدد من المؤلفين لبناء كتاب، وهم: (ورد فراتي – عبد الحميد النجار – محمد العمري – راغب الحماد – أحمد القشعم – محمد الخلف) .
أما المدن الخمسة التي تحدث عنها الكتاب فهي مدينة (الباب في ريف حلب الشمالي، ومدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، ومدينة حمص عاصمة وسط سورية، ومدينة تدمر وسط البادية السورية، وأحياء جنوب العاصمة دمشق تحديدًا حي القدم).
هذه قصة خمس مدن سورية يتعايش أهلها اليوم في الشمال السوري منذ بداية الحلم وحتى تاريخ قراءة هذه الكلمات…