عبد الملك قرة محمد |
في أحد الامتحانات الجامعية بينما كان الكل مشغولاً بحل الأسئلة في جو صامت، قاطع تفكيرنا صوت الأستاذ المراقب الذي يبدو أنه ضبط أحد الطلاب متلبساً بعملية غش، وبالتأكيد كما يفرض عليه الواجب قام بإخراجه بكل هدوء دون أن تتطور الحادثة إلى مشكلة أكبر.
الأمر الذي أثار انتباهي حينها هو تعليق الطالب الذي يقوم بالغش على الحادثة، فرغم أنه تعامل معها بكل “روح رياضية” وتقبل أنه يقوم بعمل خاطئ يستحق عليه الحرمان لعدد من الدورات الامتحانية (إن قست العقوبة) إلا أنه نطق بعبارة غريبة كشفت عن مشكلة اجتماعية كبرى نعانيها جميعاً ولا نعي مدى الخطر السلبي الذي يمكن أن تخلقه داخل العجلة المؤسساتية في المناطق المحررة هي “أنتم تعاملونا كما نظام الأسد، وتحاولون استنساخ نظامه التعليمي من خلال التعصب والأحكام الصارمة بحق الطلاب!”.
بداية يجب ألا يعتقد أحدنا أن كلام صديقنا جاء غريباً، أو أن الفكرة التي طرحها غائبة تماماً عن أذهاننا، أو عن مجتمعنا بل على العكس تماماً فلقد خلّف فينا التعصب من حكومة النظام وما تقوم به سواء من قتل معارضيها أو ذل مؤيديها النفور من أي شيء منظم أو يسير في المجال المؤسساتي.
إن النفور من التنظيم جعلنا ننفر من أي عمل قائم بذاته حتى لو كان مغرقاً في الإيجابية، بل إننا أصبحنا نتذمر إذا عاد العمل المجتمعي الإيجابي بسلبية واحدة علينا، لأننا ببساطة لا نملك الثقة لا بالأجهزة المؤسساتية في مناطقنا ولا حتى بالحكومات التي تعمل من خلف هذه المؤسسات.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل أصبح نظام الأسد مقياساً لنا في كل أعمالنا؟ وهل يجب أن نتعصب ونختلق مؤسسات جديدة تعمل بنظام مختلف عن نظام الأسد وأن نغلق الجامعات لأن نظام الأسد لديه جامعات؟
الأمر الذي يجب ألا يغيب عنا هو أن مؤسسات التعليم على سبيل المثال لديها قوانين صارمة، ومثلها كل المؤسسات التي تشرف عليها حكومة النظام، لكن هذه القوانين الصارمة ليست إلا حبراً على ورق، فلو نظرنا وتمعنا في عمل هذه المؤسسات لوجدناها مليئة بالأمراض كالغش والرشوة والفساد بكل أنواعه.
في الحقيقة إن السبب في انتشار هذا المفهوم هو أن المناطق المحررة عاشت فترة من الزمن دون قوانين مؤسساتية إلا القوانين الشرعية التي عملت المحاكم على تطبيقها، وهذا الأمر خلق حالة من الفوضوية في نفوس الناس حتى باتوا يتذمرون من أدنى التفاصيل، من فاتورة بسيطة وعمل تطوعي مجتمعي وضريبة عبور.. وأمور أخرى لو فكرنا فيها لذابت سلبيتها الذرية بخيراتها التي تنعكس على المجتمع لا بل على الفرد أولاً وأخيراً.
إن السعي كل السعي يجب أن يكون خلق مؤسسات متماسكة وقوية ذات قوانين صارمة لا تشبه أبداً تلك المؤسسات التي يسيطر عليها الأسد، بل تخلو من الفساد وتطفو على سطحها القيم الاجتماعية، مؤسسات من الشعب وللشعب، مهمتها الأولى إنقاذ الإنسان ممَّا هو فيه، والعمل على تطوير المجتمع السوري بكل جوانبه، والخطوة الأولى هي التخلص ممَّا خلفه النظام في عقولنا، والانطلاق نحو مرحلة جديدة، مرحلة التخطيط والعمل لتأسيس بنى إدارية قوية.