عماد إسماعيل
محور المقاومة المتمثّل في النظام السوري وحزب الله اللبناني والنظام الإيراني، محور اتخذ لنفسه اسم المقاومة أي مقاومة العدو الصهيوني المحتل للأراضي الفلسطينية.
هل تحوّل هذا المحور من مقاومة إلى مساومة؟؟!!
لعل الجواب على هذا السؤال بالذات يكمن نصفه في السؤال نفسه، فالمحور منذ بداية تشكّله كان محور مساومة. فمنذ البداية ومنذ أن تبنّى محور المقاومة فكر ونهج المقاومة لم يطلق رصاصة واحدة في وجه إسرائيل بل العكس صحيح تماماً فإن أخذنا كل طرف من أطراف هذا المحور على حدى وبدأنا بنظام الأسد بدءاً من الأب الذي باع الجولان ورفع علم سوريا فوق أنقاض القنيطرة للفت الأنظار لانتصار وهمي ما حققه وما سبقه أحد إلّا دونكيشوت في حروبه ضد طواحين الهواء ولأن الولد سرّ أبيه فالولد هنا المتمثل ببشار الأسد ما خرج عن نهج أبيه نهج المساومة فقد ساوم على كل شيء لإرضاء إسرائيل وحماية لها, ولعل ما كتبته بعض الصحف الإسرائيلية منذ بداية الثورة السورية لم يكن عبثياً ولم يأت من فراغ حين أطلقت هذه الصحف لقب “ملك إسرائيل” على بشار الأسد وكيف ولا يكون ملكاً, ورامي المخلوف يصرّح بأن أمن إسرائيل من أمن سوريا وكأن سوريا ولاية إسرائيلية أو حديقة إسرائيل الخلفية. لقد اختزل الأسد كل المقاومة في جملة واحدة لا يعرف غيرها ولا يستطيع قول سواها, ألا وهي “سنردّ في الوقت المناسب” و جملة “نحتفظ بحق الرّد”.
هذه الكلمات التي أطلقتها الدفاعات السورية على طائرات إسرائيل حين انتهكت سماء سوريا في اللاذقية فوق القصر الرئاسي وفي دير الزور حين تم قصف موقع “الكِبَرْ” وفي مطار المزّة وكل مكان في سوريا, ولازال الرّد بانتظار الرّد وهكذا وعلى هذا النهج يسير حزب لله اللّبناني الذي جعل من البنى التحتية في بيروت شبه مدمرة في حرب تموز ثم أعلن أنه انتَصَر على العدو الإسرائيلي وإسرائيل نفسها التي تنسق اليوم وتقسّم الأجواء السورية بينها وبين روسيا التي هي حليفة النظام السوري وحزب لله وإيران ,وحتى في قضية اغتيال عماد مغنيّة أكبر قادات حزب لله الذي تم اغتياله في دمشق, حتى هذه العملية كانت تصفية داخلية بحسب بعض المعلومات المسرّبة من داخل صفوف الحزب ,هذا الحزب الذي دخل “القصير” السورية ورفع فوقها الأعلام الشيعية وكتب على جدرانها عبارات طائفية أكّدت مثل هذه الأفعال بما لا يدعو مجالاً للشك بأنه محور مقاومة “السنّة” فقط.
الطائفية في معظم دول المنطقة وبالأخص سوريا والعراق ولعل ظهور قاسم سليماني في الفلوجة وحلب يبعث برسائل واضحة لدول المنطقة بأن رسم الهلال الشيعي أصبح استراتيجية عُليا وهدف أساسي من أهداف إيران التوسعية تحت بند تصدير الثورة الإسلامية.
وما الخريطة التي نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية إلا تأكيد لمثل هذه الأهداف وقد كشفت هذه الخريطة الكثير من الأسرار الخفية التي تعمل إيران على تحقيقها, حيث تُظهر هذه الخريطة مد خطوط النفط والغاز الإيراني من إيران إلى محافظة ديالى العراقية إلى تلعفر ثم تدخل الأراضي السورية في محافظة الحسكة ومنها إلى تل أبيض ثم إلى حلب فالساحل السوري, وهذا ما يفسر دفاع إيران المستميت عن نظام الأسد وحماية عرينه في الساحل السوري و دمشق وحلب لتكون هذه المنطقة خط الدفاع الأول عن إيران وخط إمداد أول لحزب لله في لبنان.
وتكمن المفارقة الإيرانية الكبرى في الأكذوبة الكبرى حين دخلت ميليشياتها الشيعية إلى سوريا بحجة أنها جاءت بطلب من الحكومة الشرعية في دمشق, في حين أنها تدعم الحوثيين في اليمن ضد الحكومة الشرعية وتندد بتدخل السعودية عبر عاصفة الحزم والتي تدخلت بطلب من الحكومة الشرعية في اليمن, هذا هو محور “المقاومة” الذي حرَّر صنعاء من إسرائيل وحرَّر حلب والفلوجة من إسرائيل وتحاصر الآن القوات الإسرائيلية في الزبداني وبردى!!!
والغريب في الأمر أن العالمين العربي والإسلامي وعلى مرّ العقود كان مخدوعاً بالشعارات الرّنانة التي كان يرفعها حزب لله في لبنان وجعل حسن نصرالله من نفسه المهدي المنتظر للمسلمين عبر خطاباته النارية تجاه العدو الإسرائيلي وكان الإعلام العربي بشكلٍ عام يدعم هذا “الفكر المقاوم” حتى جاء الربيع العربي والثورة السورية لتكشفا المستور فقد “ذاب الثلج وبان المرج” فشكراً وألف ألف شكراً للثورة السورية التي كشفت حقيقة الفكر المقاوم وحررت عقلية المواطن البسيط الذي كان مخدوعاً بهذا الوهم المقاوم والشعارات البرّاقة والتي ظهرت بأنها ليست سوى فقاعات لا أكثر ,فها هي إيران التي جوَّعت شعبها تحت شعار “الموت لأمريكا” ها هي تتنازل لأمريكا نفسها بين ليلة وضحاها عن برنامجها النووي وتوسلت للإدارة الأمريكية الجديدة المتمثّلة بالرئيس الجديد “دونالد ترامب” كي لا تلغي الاتفاقية ,مثل هذه الخطوات تبيّن إيران على حقيقتها وحجمها وخبثها في المنطقة عبر نشر الفوضى وخلق حالة استقطاب طائفية حيث تصوّر السنة بأنهم متشددون متطرفون داعمون للإرهاب وتقدّم نفسها راعية للشيعة في العالم الإسلامي كما وتُقدّم الشيعة للعالم بأنه التيار الإسلامي المعتدل الوحيد في منطقة الشرق الأوسط.