مريم إبراهيم |
في ريف إدلب، وتحديدًا في بلدة الفوعة، تذهب (إيمان) كل يوم صباحًا إلى مدرستها، حاملةً حقيبتها على ظهرها وفي داخلها أحلامها، تستقبل يومها بأمل جديد لتكمل مسيرة حياتها وكلها أمل أن تنال أبسط حقوقها في الحياة.
إيمان 12عامًا يتيمة الأب من معضمية الشام تقول: “استشهد والدي بقصف الطيران على المعضمية، كنت صغيرة آنذاك، وبعد حصار دام أعومًا أحضرونا إلى إدلب بالباصات الخضراء، أنا سعيدة بمدرستي لأنني تعرفت من خلالها على أصدقاء عايشوا معانتي نفسها وهم من محافظات أخرى.”
ليست حالة إيمان الوحيدة في مدرسة (شهداء الغوطة) فهناك العديد من الطلاب الأيتام الذين قضى أهلهم في المعتقلات والقصف والمعارك.
المدرسة اسمها شهداء الغوطة ضمت أيتام هؤلاء الشهداء، لكنها تحوي طلابًا من كافة المحافظات السورية لتغدو صورة مصغرة عن طلاب سورية وعوائلهم الذين عانوا من ويلات الحرب.
وللوقوف على تاريخ نشأة المدرسة وطلابها، التقينا (أبو منذر الشامي) 55عامًا من غوطة دمشق حيث قال: “تم فتح المدرسة منذ سبعة أشهر من تحرير بلدة الفوعة الذي كان في الشهر السابع من العام 2018 من نظام الأسد، وعدد طلابها يتجاوز 314طالبًا، من جميع محافظات سورية”
ونتيجة التهجير حُرم العديد من الأطفال من حق التعلم وتقدموا بالسن القانوني لبدء تعليمهم، يقول أبو منذر: “هناك أطفال كثيرون في المدرسة تم قبولهم رغم كبر سنهم على مراحل الدارسة، وذلك بسب كثرة النزوح والتهجير والانقطاع عن التعليم، لكيلا يحرموا من التعليم ويبقوا في صفوف الأميين، تم قبولهم وهم يدرسون مع أطفال أصغر منهم عمرًا، وأجرينا لهم دورات مكثفة، ونعمل جاهدين على إلحاقهم بأصدقائهم من الطلاب، وكما يوجد لدينا أكثر من 30طفلاً يتيمًا وأكثر من عشرة طلاب أهلهم في المعتقلات، هؤلاء الطلاب ينالون رعاية نفسية، من معلمة الدعم النفسي في المدرسة”.
(بشر) 9 أعوام في الصف الثالث الابتدائي يُحب مدرسته لكنه تمنى العودة إلى جوبر، والسبب كما يقول: “أحب أبي جدًا وأتمنى أن أراه مرة أخرى، لكنه استشهد وهو يدافع عننا وعن أرضنا، وأحب مدرستي جدًا وأحب محافظة إدلب، لكنني أتمنى العودة إلى دمشق.”
أمَّا أم أمجد 40عامًا من ريف حمص بقي لديها ابنتها (أمينة) بعد أن فقدت زوجها وأطفالها الاثنين جراء القصف على منطقتهم، فتقول: “فقدت كل ما أملك من هذه الحياة، لم يتبقَ لي سوى طفلتي أمينة التي بدأتُ بإرسالها إلى مدرسة شهداء الغوطة التي وجدت فيها أطفالاً أهلهم شهداء من عدة محافظات سورية، كأن الله شاء أن يجمعنا نحن أصحاب المعاناة والألم في مدينة واحدة وأطفالنا في مدرسة واحدة ضمنت شهداء كل سورية، نتمنى كلنا النصر والعودة إلى ديارنا.”
المعلمة (سعاد مصطفى) 25عامًا من دير الزور، تقول: “نظام المدرسة عندنا ممتاز، ومستوى الطلاب يتحسن جدًا، لقد قمت بالتدريس هنا، وأحببت عملي وأحببت الطلاب لأني رأيت فيهم مجتمعًا متكاملاً.
أجمل ميزة لمستها من الطلاب قوة الألفة والمحبة بينهم، المدرسة أشبه بوطن متكامل متماسك، نتمنى أن تبقى المدرسة كما هي ونتمنى النجاح للطلاب.”
وفيما يخص الفعاليات أضافت سعاد: “لدينا فعاليات وأنشطه ترفيهية للطلاب، نقوم بها كي يحضر أولياء أمور الطلاب إلى المدرسة ويتم مناقشة أحوال الطلاب.”
أما محمد 8سنوات يقول: “أخي أحضرني إلى هنا، أما أبي فلا يزال يقبع في سجون النظام، ولا نعلم عنه شيئًا، ومنذ اعتقاله لم أره، أنا أكره النظام جدًا، وأتمنى أن النظام كي أعود إلى وطني الحبيب دمشق.”
لم تمنعهم معوقات الحياة أن يتركوا أحلامهم، ولم تثنِ عزيمتهم، ما عانوه من حصار وخوف وتهجير ونزوح لم يوقفهم عن متابعة أحلامهم، لقد جمعهم المكان والشهداء والمعتقلون المغيبون لأجل العلم والحياة ما استطاعوا إليها سبيلاً.