غسان دنو |
مع انتهاء شهر أيلول، يتسابق الأهالي في الشمال المحرر لتأمين أهم مؤن فصل الشتاء، ألا وهي مواد التدفئة)، قبل أن ترتفع أسعارها بشتى أنواعها ويضطرون للخضوع لجشع تجار الجملة والمحترين.
ولأن المازوت أصبح مادة رفاهية منذ العام الماضي لإغلاق المعابر مع مناطق سيطرة تنظيم (قسد)، وارتفاع تكلفة شحنه (مهربًا) لكثرة الحواجز، لجأ العديد من الأهالي لبديل آخر أسهل اشتعالاً من الحطب، وأزكى رائحة من قماش البالة والفحم الحجري.
حيث غدت قشور (الفستق الحلبي، والبندق، واللوز، والجوز، وعجو الزيتون) سلعة رائجة في المناطق المحررة، لكن أيضًا مع سلبيات وإيجابيات أحصيناها ضمن التقرير.
يقول (مأمون الصالح) مُهجَّر من بلدة (التمانعة) بريف إدلب، وهو مُصنِّع لمدفأة القشر: “ارتفع الطلب على جهاز تدفئة قشور الفستق والبندق وغيرها، وهي غالية الثمن مقارنة مع باقي الأنواع الأخرى، لذا يأتي إليَّ الأهالي لأعدل لهم المدفأة العادية (مازوت، حطب) لتعمل على قشر الفستق، وهنا يكون الزبون أمام عدة خيارات بتكاليف متنوعة تناسب قدرته المادية.”
وبحسب (مأمون) يكفي نصف طون من القشور عائلة متوسطة طوال الشتاء بكلفة تقريبية 60 دولار أمريكي، في حين تحتاج العائلة نفسها ما يقارب (برميلين) من مازوت التدفئة.
مكونات المدفأة:
تتكون المدفأة ، بحسب مأمون، من “جهاز تدفئة (صوبيا) نقوم بوصله على خزان مصنوع إما من الصاج أو الألمنيوم حسب رغبة الزبون، وبداخله محرك صغير (محرك ممسحة زجاج سيارات) يُركب على حلزون مهمته دفع قشور الفستق بشكل بطيء نحو المدفأة، ويضاف إليها مروحة صغيرة 12 فولط لتساعد على ضخ الهواء داخل الصوبيا وزيادة الاشتعال عند بداية التشغيل أو خمول اللهب، كما يمكن إضافة قطعة معدنية داخل أنبوب ضخ القشر لتأمين إطفائها بشكل سليم ومنع عودة النار إلى الخزان عبر الحلزون، والرماد المتراكم أسفل جهاز التدفئة يتم سحبه عبر درج مخصص لتنظيفها.”
ويتابع المُصنِّع (مأمون): ” وتُغذَّى الآلية عبر بطارية 12 فولط لتشغيل المحرك والمروحة عبر أزرار تضاف إلى جسم خزان القشر، وهناك من يركب بطارية بجانب الجهاز أو يغذي الجهاز عبر بطارية اللدات المنزلية.”
اختراع محلي:
وكشف السيد (مأمون) لحبر عن تاريخ فكرة مدفأة القشر قائلاً: ” تعود الفكرة لعشرين عامًا تقريبًا لمصنع محلي يدعى (عرب هنداوي) من مدينة خان شيخون، أما الآن فأصبحت صناعة محلية، وأيضًا نشرها السوربون في تركيا التي يُستورد عبرها معظم القشر لرخص ثمنه، وحتى من روسيا وإيران”.
فكرة مدفأة القشر لم تكن رائجة وقتها بين المجتمع السوري لرخص ثمن المازوت، لكن حاليًا اشتد الطلب عليها بريف إدلب الجنوبي وعموم المحرر خلال الثورة السورية لارتفاع ثمن المحروقات.
وعن الاستهلاك يقول: “بالنسبة إليَّ العام الماضي استهلكت قرابة 800 كيلو قشر في مسكني الكائن بقرية (كورين) قرب أريحا، أما لسكان المدن فربما يكفي العائلة 500 كيلو، أو حسب التشغيل يزيد أو ينقص.”
مدفأة القشر لا تصدر دخانًا كثيفًا وروائح سيئة كالحطب والفحم الحجري وغيره ممَّا يتوفر للحرق.
سلبيات مدفأة القشر:
لمدفأة القشر سلبيتان: الأولى ارتفاع سعر المدفأة، حيث يتراوح سعرها بين 95 دولارًا و 175 دولارًا، ويوجد أغلى بحسب رغبة الزبون لإضافة إكسسوارات معينة من إنارة (لدات) وزجاج على الخزان وزخرفات، وحتى مشغل MP3 (فلاشة).
ولكن بإمكان من يملك مدفأة أن يعدلها بأقل كلفة ممكنة، وهي ( 75 دولارًا) حسب ما أفاد (مأمون) المُصنِّع في ورشة (البكري)، وللتنويه (تختلف الأسعار بحسب كل ورشة).
والسلبية الأخرى: تكمن في إيجاد مساحة كبيرة في المنزل لتخزين نصف طن أو طن من القشر لمن يريد الشراء بسعر الجملة بسبب خفة وزنه وكبر حجمه مقارنةً مع الحطب والفحم والمازوت والمحروقات الأخرى.
ومع ذلك ترى (أم أحمد) نازحة من حلب، أن المساحة المستخدمة لتخزين نصف طن قشر فستق ليست مشكلة، فمعظم النازحين لا يملكون (عفشًا) وبيوتهم شبه خالية أو حتى بإمكانهم شراء كميات أقل (بالمفرق).
وتضيف: “من جهتي أفضِّل المازوت، ولكنني لا أملك إلا ثمن برميل لكل عام أحصل عليه مساعدة من قبل المغتربين خارج سورية، لذا حولت مدفأتي لقشر الفستق العام الحالي بعد تخفيض المصاريف الشهرية؛ لأوفر ثمنها، وسأشتري نصف طن يكفيني طوال الشتاء.”
وتبقى مدفأة القشر أقل كلفة وأعلى جودة من حيث التكلفة مقارنة ببرميل المازوت، بحسب السعر الحالي 140 دولارًا لكل برميل، بعدما أصبح ثمن لتر المازوت المستخدم بالتدفئة 4.75 ليرة تركية، حيث بعد كان مطلع شهر أيلول 3.60 ليرة تقريبًا.
وسجل سعر كيلو الحطب الجيد (ليرة تركية) بالطن، لكن قسمًا كبيرًا من سكان إدلب وريفها لا يملكون تكاليف هذه المدفأة، وسيلجؤون كما في الأعوام الماضية إلى الحطب والأقمشة وأحذية البالة التي لاقت رواجًا العام الماضي.