حارث العباسي | نون بوست
بعد أن عصفت ببلدانهم نيران الحرب وعبثت بها يد التدمير، فأتت على الحجر والبشر، لم يجد المواطن العربي بُدًا من هجرانها، فالبلاد إذا تغيرت أحوالها وجب التحويل، فاضطر كثيرٌ منهم للجوء إلى البلدان المجاورة، وعبر جزءٌ منهم البحر باتجاه أوروبا، وقصد جزءٌ آخر تركيا، ففتحت لهم أبوابها، بعد أن أوصد أخوانهم العرب بوجوههم الأبواب ولم يسمحوا لهم بدخول بلدانهم إلا في مخيمات على الحدود.
ولأن التعليم من القضايا الإنسانية المهمة، سمحت الحكومة التركية للمدارس العربية بالعمل بشكل عامٍ، لكل الجنسيات الموجودة على أراضيها، وأقامت مدارس خاصة للسوريين، باعتبار أن الشعب السوري أصابه الضرر الأعظم من هذه النيران التي اكتسحت الوطن العربي، ولكن بحكم الضرورة دخل كثيرٌ من الطلبة العرب المدارس التركية وأخذوا يتعلمون بلغة جديدة مع طلبة من حضارة وثقافة مختلفة تمامًا عن ثقافتهم، فواجهت هؤلاء الطلبة الكثير من التحديات، خصوصًا بعد دمج الطلبة السوريين في المدارس الخاصة بالمدارس التركية، بعد سياسة الدمج الأخيرة.
ما مدى اندماج الطالب العربي مع الطلبة الأتراك؟
يعد الطالب العربي دخيلًا على المدارس التركية، فهو يعاني من الاندماج مع الثقافة الجديدة واللغة، وكذلك المواد التعليمية، فقد أوضح بعض الأهالي أن أبناءهم عانوا كثيرًا من الاندماج، وكانت هناك صعوبات كثيرة في تأقلمهم على الواقع الجديد، فيما أفادت ريّا سعد الدين إحدى أولياء الأمور العرب أن أولادها استطاعوا أن يندمجوا بشكل سريعٍ مع الطلبة الأتراك، وأصبح لهم أصدقاء في المدرسة وعلى علاقة طيبة مع الأساتذة.
يقول الأستاذ أيمن الجبلي ” الطلبة الذين تلقوا تعليمًا ولو لعامٍ واحدٍ في المدارس العربية، ودخلوا بعدها المدارس التركية بخطة الدمج العام في مرحلة الصف الثاني فما فوق، فهؤلاء يعانون صعوبات كثيرة في موضوع الدمج”
وهناك من ذهب إلى تفصيل الموضوع بحسب المرحلة التي التحق فيها الطالب بالمدرسة التركية، فالأمر ليس على عمومه، بل يختلف من مرحلة إلى أخرى، وفي لقاء خاص مع الاستاذ أيمن الجبلي مدرس في المدارس التركية يتحدث بحكم عمله في هذا المجال: “بحكم وجودي كمدرس في المدارس التركية، أجد نوعين من الطلاب فيما يخص مسألة الاندماج: النوع الأول هم الطلبة الذين دخلوا الروضة، والطلبة الذين دخلوا في المرحلة الأولى، بمعنى أدق الطلبة الذين لم يتلقوا تعليمًا باللغة العربية في المدارس السورية المؤقتة قبل إغلاقها، هؤلاء اندماجهم مع الطلبة الأتراك أسهل وأسرع من الطلاب الآخرين، بحكم عدم وجود مقارنة منهجية وأكاديمية عند هؤلاء الطلاب مع ما يتعلمونه في اللغة الجديدة والغريبة عن التدريس الأكاديمي العرب”.
ويضيف الجبلي “أما الطلبة الذين تلقوا تعليمًا ولو لعامٍ واحدٍ في المدارس العربية، ودخلوا بعدها المدارس التركية بخطة الدمج العام في مرحلة الصف الثاني فما فوق، فهؤلاء يعانون صعوبات كثيرة في موضوع الدمج”، وأوضح الجبلي أن أهم هذه الصعوبات “ازدواجية اللغة ودخول لسان جديد على لسانهم لم يعتادوه من قبل لا في الوضع المعيشي ولا في الوضع الأكاديمي الدراسي، فالاندماج يتحقق بسرعةٍ أكبر للطلبة الذين لم يدخلوا المدارس العربية قبل اندماجهم في المدارس التركية”.
كل هذه الأنواع السابقة تسير في عملية الدمج، وبالتأكيد بحكم الفروقات الفردية يوجد تفاوت بين الطلبة، وهذا ما أكده الجبلي في تصريحٍ خاصٍ لنون بوست حين قال: “كلا النوعين يسير في الدمج، ولكن تختلف سرعة الدمج من نوعٍ لآخر، ويحتاج الطالب الذي تلقى تعليمًا بالعربية لتعليم بشكل خاص باللغة التركية، وهذا ما لا يتم تطبيقه”، وفي نفس السياق بيّن الجبلي: “النوعان يخضعان لذات المنهج التعليمي المكثف فيما يخص اللغة التركية، هنا لا أتحدث عن المواد التعليمية كالرياضيات والاجتماعيات وغيرها، وإنما أتحدث عن كورسات تقوية اللغة التركية، فإخضاعهم لنفس البرنامج خاطئ”.
طلبة يتوجهون لإحدى المدارس التركية
ما المعوقات التي يواجهها الطالب العربي في المدارس التركية
لا تخلو أي عملية تغيير وانتقال من معوقات ومشاكل، فالطالب الذي كان يرافق طلبة من جنسية واحدة يتفق معهم في البيئة واللغة، كان يوجد بينهم مشاكل ومعوقات، فكيف لو تحول الطالب من بلدٍ الى آخر، وبعدها دخل في أجواء تعليمية مختلفة من اللغة إلى الثقافة، لا شك سيجد الكثير من المعوقات.
يوضح الأستاذ أيمن الجبلي قائلاً: “هناك عدة معوقات يتمثل أكبرها في اختلاف اللغة وهذا أمر بديهي طبيعي، والمعوق الثاني هو اختلاف الثقافات والحضارات، وهذا لا يتوقف على وجود الطالب العربي مع التركي فقط، بل يتوقف على وجود الطالب العربي مع الطالب العربي الآخر الذي يأتي من حضارة وثقافة مُغايرة بعض الشيء لحضارته وثقافته، وهذا كنا نعانيه في المدارس العربية قبل إغلاقها والبدء بسياسة الدمج، فتضاعف هذا الاختلاف الثقافي والحضاري لدى الطالب العربي، وأصبح على شقين، الأول بما يختص مع أقرانه من العرب، والثاني بما يختص مع زملائه الجدد من الأتراك”.
أوضحت ريا سعد الدين إحدى أولياء الطلبة العرب في المدارس التركية أن أولادها يجدون صعوبة فيما يتعلق بالمواد الاجتماعية كالتاريخ والجغرافية وغيرها
وأضاف الجبلي “المعوق الثالث وهو من الأهمية بمكان، أن الطالب في عامه الأول إلى أن يحصل مستوى معين من اللغة التركية يفوته الكثير من المواد التعليمية المهمة، وهذا القدر الذي يفوت الطالب لا يتم تعويضه لاحقًا”، وأفاد الجبلي “نجد بعض الطلاب قد فاتتهم معلومات تقدر بمعلومات عام دراسي كامل، والبعض الآخر قد يكون أكثر ذكاءً وفطنة، وهو ما يعرف بالفروقات الفردية بين الطلبة، ربما بعض الطلبة يستطيعون أن يتخطوا موضوع اللغة خلال نصف فصل دراسي، والآخر فصل دراسي كامل، وآخرون يحتاجون سنة دراسية كاملة، بحسب ما يحتاج كل طالب من الطلاب إلى فترة زمنية يحصّلُ خلالها اللغة، وخلال هذه المدة يكون قد فاته الكثير من المادة العلمية التي لا يتم تعويضها لاحقًا وهذا الكلام موجه لبعض الولايات التي لم تغلق فيها المدارس العربية لتدارك الأمر”.
وأوضحت ريا سعد الدين إحدى أولياء الطلبة العرب في المدارس التركية أن أولادها يجدون صعوبة فيما يتعلق بالمواد الاجتماعية كالتاريخ والجغرافية وغيرها، وهذا ما أكده لي مجموعة من الطلبة العرب في المدارس التركية، وكثيرٌ منهم يفشل في الاختبارات بسبب هذه المادة.
طلبة سوريون في إحدى المدارس التركية
كيف ينظر الأتراك لوجود الطلبة العرب في مدارسهم؟
نسبة كبيرة من الأتراك يشعرون بالضيق من وجود العرب في بلادهم بشكل عامٍ، وهذا الضيق انعكس على كل مرافق الحياة، من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، ولكن تتفاوت هذه النظرة بحسب المناطق والحالة الثقافية للأشخاص، وبهذا الصدد أفاد أيمن الجبلي: “الأهالي الأتراك ليسوا على قدرٍ من العلم بطبيعة وجود الطلبة العرب في المدارس مع أبنائهم، ويعتقدون أنه مزاحم لأبنائهم في المقعد الدراسي، وهذا يختلف من منطقة إلى أخرى، ويتعبرونه المزاحم بكل ما يرتبط بالمدرسة حتى ما يختصُّ بعناية المعلم”.
وأوضح: “بعض الأهالي يعتقدون أن وجود الطالب العربي سيخفف من عناية المعلم بولده، وهذا ينطلق من علمه بحاجة الطفل العربي إلى عناية أكثر لأنه من غير لغة، فيعتقد ولي أمر الطالب التركي أن المعلم سيصبُ اهتمامه بدرجة أكبر على الطالب العربي بحكم حاجته لهذه الرعاية ويهمل ولده التركي، وهذا يسبب نوعًا من رد الفعل غير الصحي لأولياء أمور الطلبة الأتراك”.
مجموعة طلبة في إحدى القاعات الدراسية
يقول الجبلي: “هناك عدة حلول لتخطي هذا الأمر، أهمها إقامة جلسات توعوية لأولياء أمور الطلبة الأتراك يتم من خلالها شرح طبيعة وجود الطلاب العرب في المدارس التركية، وكذلك إقامة جلسات توعوية لأولياء أمور الطلبة العرب بغية إعلامهم بطبيعة وجود أبنائهم وأولادهم في المدارس التركية، مع ضرورة تقديم نصائح نوعية لهم يتابعونها مع أولادهم في المنزل من أجل تخطي كل مشاكل ومعوقات سياسة الدمج العام، كون الدمج ضرورة لا بد منها”.
وفي نفس السياق أكد الجبلي “هناك جانب آخر لا يختص بالطالب، وإنما يختص بالمعلم، لأن الوجود في المدرسة التركية ليس على مستوى الطلبة فقط، بل على مستوى المعلم العربي، فأُنشئت مجموعة من الدورات لتأهيل المعلم العربي على سياسة الدمج، لكنه لم يتم العمل إطلاقًا على المعلم التركي، فالمعلم التركي يعتبر العربي جاء ليزاحمه مكانه في المدرسة، وربما أكثر من ذلك جاء ليرتاح هو، فهو يأخذ راتبه دون أدنى جهد”.